وأعتقك (فعلت فذكرت بريرة ذلك لأهلها فقالوا: لا إلاّ أن يكون ولاؤك) وللحموي والمستملي: الولاء (لنا. قال مالك) الإمام بالإسناد السابق (قال يحيى) بن سعيد: (فزعمت عمرة أن عائشة) الزعم يستعمل بمعنى القول المحقق أي قالت إن عائشة (ذكرت ذلك لرسول الله ﷺ فقال) لها:
(اشتريها وأعتقيها فإنما الولاء لمن أعتق) وظاهر هذا الحديث جواز بيع رقبة المكاتب إذا رضي بذلك ولو لم يعجز نفسه واختاره المؤلّف وهو مذهب الإمام أحمد ومنعه أبو حنيفة والشافعي في الأصح وبعض المالكية، وأجابوا عن قصة بريرة بأنها عجزت نفسها لأنها استعانت بعائشة في ذلك، وعورض ليس في استعانتها ما يستلزم العجز ولا سيما مع القول بجواز كتابة من لا مال عنده ولا حِرفة له. قال ابن عبد البر: ليس في شيء من طرق حديث بريرة أنها عجزت عن أداء النجوم ولا أخبرت بأنها قد حلّ عليها شيء لم يرد في شيء من طرقه استفصال النبي ﷺ لها عن شيء من ذلك انتهى.
لكن قال الشافعي مما رأيته في المعرفة: إذا رضي أهلها بالبيع ورضيت المكاتبة بالبيع فإن ذلك ترك الكتابة.
٥ - باب إِذَا قَالَ الْمُكَاتَبُ اشْتَرِنِي وَأَعْتِقْنِي، فَاشْتَرَاهُ لِذَلِكَ
هذا (باب) بالتنوين (إذا قال المكاتب) لأحد (اشتري) من سيدي ولأبي ذر اشترني (وأعتقني فاشتراه لذلك) جاز وحذف جواب إذا.
٢٥٦٥ - حَدَّثَنَا أَبُو نُعَيْمٍ حَدَّثَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ بْنُ أَيْمَنَ قَالَ: حَدَّثَنِي أَبِي أَيْمَنُ قَالَ: "دَخَلْتُ عَلَى عَائِشَةَ ﵂ فَقُلْتُ: كُنْتُ لِعُتْبَةَ بْنِ أَبِي لَهَبٍ وَمَاتَ وَوَرِثَنِي بَنُوهُ، وَإِنَّهُمْ بَاعُونِي مِنَ ابْنِ أَبِي عَمْرٍو فَأَعْتَقَنِي ابْنُ أَبِي عَمْرٍو، وَاشْتَرَطَ بَنُو عُتْبَةَ الْوَلَاءَ. فَقَالَتْ: دَخَلَتْ بَرِيرَةُ وَهْيَ مُكَاتَبَةٌ فَقَالَتِ: اشْتَرِينِي وَأَعْتِقِينِي، قَالَتْ: نَعَمْ، قَالَتْ: لَا يَبِيعُونِي حَتَّى يَشْتَرِطُوا وَلَائِي، فَقَالَتْ: لَا حَاجَةَ لِي بِذَلِكَ. فَسَمِعَ بِذَلِكَ النَّبِيُّ ﷺ-أَوْ بَلَغَهُ- فَذَكَرَ لِعَائِشَةَ فَذَكَرَتْ عَائِشَةُ مَا قَالَتْ لَهَا، فَقَالَ: اشْتَرِيهَا وَأَعْتِقِيهَا وَدَعِيهِمْ يَشْتَرِطُونَ مَا شَاءُوا، فَاشْتَرَتْهَا عَائِشَةُ فَأَعْتَقَتْهَا، وَاشْتَرَطَ أَهْلُهَا الْوَلَاءَ، فَقَالَ النَّبِيُّ ﷺ: الْوَلَاءُ لِمَنْ أَعْتَقَ، وَإِنِ اشْتَرَطُوا مِائَةَ شَرْطٍ".
وبه قال: (حدّثنا أبو نعيم) الفضل بن دكين قال: (حدّثنا عبد الواحد بن أيمن) المخزومي مولاهم المكي (قال: حدّثني) بالإفراد (أبي أيمن) الحبشي المكي (قال: دخلت على عائشة ﵂ فقلت) لها (كنت لعتبة بن أبي لهب) أي ابن عبد المطلب بن هاشم ابن عمّ النبي ﷺ أسلم عام الفتح، ولأبوي ذر والوقت والأصيلي: كنت غلامًا لعتبة بن أبي لهب (ومات) لعله في خلافة أبي بكر ﵁، (وورثني بنوه) العباس وهاشم وغيرهما (وإنهم باعوني من ابن أبي عمرو) بفتح العين وللكشميهني باعوني من عبد الله بن أبي عمرو بن عمر بضم العين ابن عبد الله المخزومي (فأعتقني ابن أبي عمرو واشترط بنو عتبة) عليه (الولاء) لهم عليّ (فقالت) عائشة (دخلت) عليّ (بربرة وهي مكاتبة فقالت: اشتريني وأعتقيني) بواو العطف ولأبي ذر فأعتقينى (قالت) عائشة فقلت لها (نعم. قالت) بريرة (لا يبيعوني) تعني أهلها (حتى يشترطوا) عليك أن يكون (ولائي) لهم (فقالت) عائشة فقلت: (لا حاجة لي بذلك) على أن يكون الولاء لهم (فسمع بذلك النبي ﷺ) قالت: (بلغه) شك من الراوي (فذكر ذلك) أي الذي سمعه أو بلغه (لعائشة) وسقط من اليونينية ذلك من قوله فذكر وثبت في فرعها (فذكرت عائشة) له ﵊ (ما قالت لها) بريرة (فقال) ﵊ لها:
(اشتريها وأعتقيها) بهمزة قطع بعد واو العطف ولأبي ذر فأعتقيها (ودعيهم يشترطون ما شاؤوا) ولأبي ذر: يشترطوا بإسقاط النون منصوبًا بأن مقدرة (فاشترتها عائشة فأعتقتها) فيه دليل على أن عقد الكتابة الذي كان عقد لها مواليها الفسخ بابتياع عائشة لها (واشترط أهلها الولاء فقال النبي ﷺ: الولاء لمن أعتق وإن اشترطوا مائة شرط).
وفي هذا الحديث جواز كتابة الأمة كالعبد وجواز سعي المكاتبة والسؤال لمن احتاج إليه من دين أو غرم أو نحوهما وغمر ذلك مما سيأتي إن شاء الله تعالى في محاله.
﷽
[٥١ - كتاب الهبة]
(بسم الله الرحمن الرحيم كتاب الهبة).
[١ - باب الهبة وفضلها والتحريض عليها]
(باب الهبة وفضلها والتحريض عليها) ولأبي ذر عن الكشميهني وابن شبويه فيها بدل قوله عليها وأخّر النسفيّ البسملة.
والهبة بكسر الهاء مصدر من وهب يهب وأصلها وهب لأنها معتلّة الفاء كالعدة أصلها وعد فلما حذفت الفاء عوّض عنها الهاء، فقيل هبة وعدة ومعناها في اللغة إيصال الشيء للغير بما ينفعه مالاً كان أو غير مال يقال وهبه له كودعه وهبًا ووهبًا وهبة ولا تقل وهبكه، وحكاه أبو عمرو عن أعرابي والموهبة العطية وهي في الشرع