تغتسل بالماء العذب حتى تصير بيضاء نقية كالفضة. وقال الخليل: الفضفض الماء العذب يقال: افتضضت به أي اغتسلت به (فقلما تفتض بشيء) مما ذكر (إلا مات) ما مصدرية أي فقل افتضاضها بشيء، وقيل تكون "ما" في ثلاثة أفعال زائدة كافة لها عن العمل وهي قل وكثر وطال، وعلة ذلك شبه هذه الأفعال برب ولا تدخل هذه الأفعال إلا على جملة فعلية صرح بفعليتها كقوله:
قلما يبرح اللبيب إلى ما ... يورث المجد داعيًا أو مجيبا
وعلى هذا تكتب قلما متصلة وعلى الأول تكتب منفصلة، وقوله بشيء يتعلق بتفتض وإلا إيجاب لهما في الجملة من معنى النفي لأن قولك قل يقتضي نفي الكثير بالإيجاب لنفيه، والمعنى قلما تفتض بشيء فيعيش (ثم تخرج فتعطى) بضم الفوقية وفتح الطاء (بعرة) من بعر الإبل أو الغنم وباب أعطى يتعدى إلى مفعولين: الأول هنا الضمير المستتر العائد عليها والثاني بعرة (فترمي) بها أمامها فيكون ذلك إحلالًا لها كذا في رواية ابن الماجشون عن مالك، وفي رواية ابن وهب من وراء ظهرها، واختلف في المراد بذلك فقيل الإشارة إلى أنها رمت العدة رمي البعرة، وقيل إشارة إلى أن الفعل الذي فعلته من التربص والصبر على البلاء الذي كانت فيه لما انقضى كان عندها بمنزلة البعرة التي رمتها استحقارًا له وتعظيمًا في حق الزوج (ثم تراجع) بضم الفوقية بعد الراء ألف فجيم مكسورة (بعد) أي بعد ما ذكر من الافتضاض والرمي (ما شاءث من طيب أو غيره) مما كانت ممنوعة منه في العدة. (سئل مالك) الإمام (ما) معنى قوله (تفتض به؟ قال: تمسح به جلدها) ليس في هذا مخالفة لما نقله ابن قتيبة عن الحجازيين من أنها تمسح قبلها، لكنه أخص
منه لأن مالكًا -رحمه الله تعالى- أطلق الجلد، والذي نقله ابن قتيبة مبين أن المراد جلد القبل، وفي رواية النسائي تقبص بقاف ثم موحدة ثم مهملة مخففة وهي رواية الشافعي، والقبص بأطراف الأنامل. قال ابن الأثير: هو كناية عن الإسراع أي تذهب بعدو وسرعة إلى منزل أبويها لكثرة حيائها بقبح منظرها أو لشدة شوقها إلى التزويج لبعد عهدها به.
٤٧ - باب الْكُحْلِ لِلْحَادَّةِ
(باب) حكم استعمال (الكحل للحادة) أي التي تحد بفتح أوله وضم الحاء المهملة من الثلاثي وأما المحدة فمن أحد الرباعي، وقول السفاقسي صوابه للحاد بلا هاء مثل طالق وحائض لأنه نعت للمؤنث لا يشركه فيه المذكر تعقبه في الفتح فقال: إنه جائز ليس بخطأ وإن كان الآخر أرجح، وقال العيني: إن كان يقال في طالق طالقة وفي حائض حائضة فيقال: أيضًا حادة وإن كان لا يقال: طالقة ولا حائضة فلا يقال: حادة. والصواب مع السفاقسي والذي ادّعى صاحب الفتح جوازه فيه نظر لا يخفى، وأجاب في المصابيح أن الزمخشري وغيره نصوا على أنه إن قصد في هذه الصفات معنى الحدوث فالتاء لازمة كحاضت فهي حائضة وطلقت فهي طالقة وقد تلحقها التاء إن لم يقصد الحدوث كمرضعة وحاملة فيمكن أن يمشي كلام البخاري على ذلك انتهى.
وبه قال:(حدّثنا آدم بن أبي إياس) قال: (حدّثنا شعبة) بن الحجاج قال: (حدّثنا حميد بن نافع) الأنصاري (عن زينب ابنة) ولأبي ذر بنت (أم سلمة عن أمها أن امرأة) تسمى عاتكة كما مر في الباب السابق (توفي زوجها) المغيرة (فخشوا) بالخاء المفتوحة والشين المضمومة المعجمتين وأصله خشيوا بكسر الشين وضم التحتية فاستثقلت ضمة الياء فنقلت لسابقها بعد سلب حركته فالتقى ساكنان الياء والواو فحذفت الأولى وأبقيت الثانية إذ هي علامة الجمع فصار بوزن فعوا أي خافوا (عينيها) وللكشميهني على عينيها بالتثنية فيهما (فأتوا رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فاستأذنوه في الكحل فقال):
(لا تكحل) بفتح التاء والكاف والحاء المشددة أصله تتكحل فحذفت إحدى التاءين ولأبي ذر عن الكشميهني لا تكتحل بسكون الكاف