إلى منى) أي محرمًا بالحج (وذكره) لقرب عهده من الجماع (يقطر منيًّا) وهو من باب المبالغة (فقال جابر بكفّه) أشار به إلى التقطر وإنما أشار إلى ذكره استهجانًا لذلك الفعل، ولذا واجههم ﵊ بقوله الآتي: لأنا أبرّ وأتقى، وللكشميهني يكفّه وهو من كفه إذا منعه أي قال جابر ذلك والحال أنه يكفّه.
(فبلغ ذلك) الذي صدر منهم من القول (النبي ﷺ فقام) حال كونه (خطيبًا فقال بلغني أن أقوامًا يقولون كذا وكذا والله لأنا) بلام التوكيد مبتدأ خبره قوله (أبرّ وأتقى لله)﷿(منهم) وفي الفرع علامة السقوط على لفظ الجلالة الشريفة وثبت في أصله (ولو أني استقبلت من أمري ما استدبرت) أي لو عرفت في أول الحال ما عرفت في آخره من جواز العمرة في أشهر الحج (ما أهديت) أي ما سقت الهدي (ولولا أن معي الهدي لأحللت) من الإحرام لكن امتنع الإحلال لصاحب الهدي وهو المفرد والقارن حتى يبلغ الهدي محله وذلك في أيام النحر لا قبلها، (فقام سراقة بن مالك بن جعشم) بضم الجيم والمعجمة بينهما عين مهملة المدلجي الصحابي الشهير (فقال: يا رسول الله هي) أي العمرة في أشهر الحج (لنا) أي خاصة (أو للأبد؟ فقال)﵊(لا) أي ليست لكم خاصة (بل) هي (للأبد) أي إلى يوم القيامة ما دام الإسلام.
(قال) جابر (وجاء علي بن أبي طالب)﵁ أي من اليمن (فقال أحدهما) وهو جابر (يقول) عليّ (لبيك بما أهل به رسول الله ﷺ وقال الآخر) وهو ابن عباس يقول علي ﵃(لبيك بحجة رسول الله ﷺ) وسقط وقال الأولى في رواية أبي ذر (فأمر النبي) بإسقاط ضمير النصب ولأبي ذر فأمره رسول الله (ﷺ أن يقيم على إحرامه) أي يثبت عليه (وأشركه) بفتح الهمزة والراء أي أشرك-ﷺ عليًّا (في الهدي).
قال في فتح الباري فيه بيان أن الشركة وقعت بعدما ساق النبي ﷺ الهدي من المدينة وهو ثلاث وستون بدنة وجاء علي من اليمن إلى النبي ﷺ ومعه سبع وثلاثون بدنة فصار جميع ما ساقه النبي ﷺ من الهدي مائة بدنة وأشرك عليًّا معه فيها اهـ.
وقال المهلب: ليس في حديث الباب ما ترجم به من الاشتراك في الهدي بعدما أهدى بل لا يجوز الاشتراك بعد الإهداء ولا هبته ولا بيعه والمراد منه ما أهدى عليّ من الهدي الذي كان معه عن رسول الله ﷺ وجعل له ثوابه، فيحتمل أن يفرد بثواب ذلك الهدي كله فهو شريك له في هديه لأنه أهدى عنه ﵊ متطوّعًا من ماله، ويحتمل أن يشركه في ثواب هدي واحد فيكون بينهما إذا كان متطوّعًا كما ضحى ﷺ عنه وعن أهل بيته بكبش وعمن لم يضحّ من أمته بآخر وأشركهم في ثوابه فجعل ضمير الفاعل في أشرك لعليّ ﵁ لا لرسول الله ﷺ، وقال القاضي عياض: عندي أنه لم يكن شريكًا حقيقة بل أعطاه قدرًا يذبحه، والظاهر أنه ﷺ نحر البدن التي جاءت من المدينة وأعطى عليًّا من البدن التي جاء بها من اليمن.
وبه قال:(حدّثنا) ولأبي ذر: حدّثني (محمد) غير منسوب وعند ابن شبويه محمد بن سلام قال: (أخبرنا وكيع) هو ابن الجراح الرؤاسي بضم الراء ثم همزة ثم سين مهملة الكوفي (عن سفيان) الثوري (عن أبيه) سعيد بن مسروق الثوري (عن عباية بن رفاعة) بفتح عين عباية وكسر راء رفاعة (عن جده رافع بن خديج ﵁) أنه (قال: كنا مع النبي ﷺ بذي الحليفة من تهامة) خير بقيد تهامة ميقات أهل المدينة (فأصبنا غنمًا وإبلاً) ولأبوي الوقت وذر: أو إبلاً (فعجل القوم) بكسر الجيم (فأغلوا بها) أي بلحوم ما أصابوه (القدور فجاء رسول الله ﷺ فأمر بها) أي بالقدور أن تكفأ (فكفئت)