للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

سبيل الله ويبعث الإنسان على ما عاش عليه. قال السمرقندي: يبعث الزامر وتتعلق زمارته في يده فيلقيها فتعود إليه ولا تفارقه، ولما كان الصائم يتغير فمه بسبب العبادة في الدنيا والنفوس تكره الرائحة الكريهة في الدنيا جعل الله تعالى رائحة فم الصائم عند الملائكة أطيب من ريح المسك في الدنيا وكذا في الدار الآخرة، فمن عبد الله تعالى وطلب رضاه في الدنيا فنشأ من عمله آثار مكروهة في الدنيا فإنها محبوبة له تعالى وطيبة عنده لكونها نشأت عن طاعته واتباع مرضاته، ولذلك كان دم الشهيد ريحه يوم القيامة كريح المسك، وغبار المجاهدين في سبيل الله ذريرة أهل الجنة كما ورد في حديث مرسل.

(للصائم فرحتان) خبر مقدم ومبتدأ مؤخر (يفرحهما) أي يفرح بهما فحذف الجار توسعًا كقوله تعالى فليصمه أي فيه (إذا أفطر فرح)، زاد مسلم بفطره أي لزوال جوعه وعطشه حيث أبيح له الفطر وهذا الفرح الطبيعي، أو من حيث إنه تمام صومه وخاتمة عبادته وفرح كل أحد بحسبه لاختلاف مقامات الناس في ذلك، (وإذا لقي ربه) عز وجل (فرح بصومه) أي بجزائه وثوابه أو بلقاء ربه وعلى الاحتمالين فهو مسرور بقبوله.

١٠ - باب الصَّوْمِ لِمَنْ خَافَ عَلَى نَفْسِهِ الْعُزُوبَةَ

(باب) مشروعية (الصوم لمن خاف على نفسه العزوبة) أي ما ينشأ عنها من إرادة الوقوع في العنت ولأبي ذر العزبة بضم العين وسكون الزاي وحذف الواو.

١٩٠٥ - حَدَّثَنَا عَبْدَانُ عَنْ أَبِي حَمْزَةَ عَنِ الأَعْمَشِ عَنْ إِبْرَاهِيمَ عَنْ عَلْقَمَةَ قَالَ: "بَيْنَا أَنَا أَمْشِي مَعَ عَبْدِ اللَّهِ -رضي الله عنه- فَقَالَ: كُنَّا مَعَ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَقَالَ: مَنِ اسْتَطَاعَ الْبَاءَةَ فَلْيَتَزَوَّجْ، فَإِنَّهُ

أَغَضُّ لِلْبَصَرِ، وَأَحْصَنُ لِلْفَرْجِ. وَمَنْ لَمْ يَسْتَطِعْ فَعَلَيْهِ بِالصَّوْمِ، فَإِنَّهُ لَهُ وِجَاءٌ". [الحديث ١٩٠٥ - طرفاه في: ٥٠٦٥، ٥٠٦٦].

وبالسند قال: (حدّثنا عبدان) لقب عبد الله بن عثمان بن جبلة الأزدي العتكي المروزي البصري الأصل (عن أبي حمزة) بحاء مهملة وزاي محمد بن ميمون السكري (عن الأعمش) سليمان بن مهران (عن إبراهيم) النخعي (عن علقمة) بن قيس النخعي أنه (قال):

(بينا) بغير ميم (أنا أمشي مع عبد الله) يعني ابن مسعود (-رضي الله عنه-) وجواب بينا قوله (فقال: كنا مع النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فقال: من استطاع) منكم (الباءة) بالمد على الأفصح لغة الجماع والمراد به هنا ذلك، وقيل مؤن النكاح والقائل بالأول رده إلى معنى الثاني إذ التقدير عنده: من استطاع منكم الجماع لقدرته على مؤن النكاح (فليتزوج، فإنه) أي التزوج (أغض) بالغين والضاد المعجمتين (للبصر، وأحصن للفرج، ومن لم يستطع) أي الباءة لعجزه عن المؤن (فعليه بالصوم)، وإنما قدروه بذلك لأن من لم يستطع الجماع لعدم شهوته لا يحتاج إلى الصوم لدفعها، وهذا فيه كلام للنحاة فقيل من إغراء الغائب وسهله تقدم المغري به في قوله: من استطاع منكم الباءة فكان كإغراء الحاضر قاله أبو عبيدة. وقال ابن عصفور: الباء زائدة في المبتدأ ومعناه الخبر لا الأمر أي فعليه الصوم. وقال ابن خروف: من إغراء المخاطب أي أشيروا عليه بالصوم فحذف فعل الأمر وجعل عليه عوضًا منه وتولى من العمل ما كان الفعل يتولاه واستتر فيه ضمير المخاطب الذي كان متصلاً بالفعل. ورجح بعضهم رأي ابن عصفور بأن زيادة الباء في المبتدأ أوسع من إغراء الغائب ومن إغراء المخاطب من غير أن ينجز ضميره بالظرف أو حرف الجر الموضوع مع ما خفضه موضع فعل الأمر.

(فإنه) أي فإن الصوم (له) للصائم (وجاء) بكسر الواو والمد أي قاطع للشهوة واستشكل بأن الصوم يزيد في تهييج الحرارة وذلك مما يثير الشهوة.

وأجيب: بأن ذلك إنما يكون في مبدأ الأمر فإذا تمادى عليه واعتاده سكن ذلك. قال في الروضة: فإن لم تنكسر به لم يكسرها بكافور ونحوه بل ينكح. قال ابن الرفعة نقلاً عن الأصحاب لأنه نوع من الاختصاء.

١١ - باب قَوْلِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: «إِذَا رَأَيْتُمُ الْهِلَالَ فَصُومُوا، وَإِذَا رَأَيْتُمُوهُ فَأَفْطِرُوا»

وَقَالَ صِلَةُ عَنْ عَمَّارٍ: "مَنْ صَامَ يَوْمَ الشَّكِّ فَقَدْ عَصَى أَبَا الْقَاسِمِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-".

(باب قول النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) في حديث مسلم: (إذا رأيتم الهلال فصوموا وإذا رأيتموه فأفطروا) بهمزة قطع.

(وقال صلة) بن زفر بضم الزاي وفتح الفاء المخففة وصلة بكسر الصاد بوزن عدة العبسي الكوفي التابعي الكبير مما وصله أصحاب السنن (عن عمار) هو ابن ياسر (من صام يوم الشك) الذي تحدّث الناس فيه برؤية الهلال ولم تثبت رؤيته (فقد عصى أبا القاسم -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) وذكر الكنية الشريفة دون الاسم إشارة إلى أنه يقسم أحكام الله بين عباده واستدلّ به على تحريم صوم يوم الشك لأن الصحابي لا يقول ذلك من قبل رأيه

<<  <  ج: ص:  >  >>