واختلف في الموسر فقيل من عنده مؤنته ومؤنة من تلزمه نفقته والمرجح أن الإيسار والإعسار يرجعان إلى العرف، فمن كان حاله بالنسبة إلى مثله يعدّ يسارًا فهو موسر وعكسه قال: (قال فتجاوزوا عنه) بفتح الواو في
الفرع وغيره، وفي رواية فتجاوزوا، بكسر الواو على الأمر فيكون من قول الله تعالى للملائكة. وفي لفظ لمسلم كما سيأتي قريبًا إن شاء الله تعالى فقال الله ﷿: أنا أحق بذا منك تجاوزوا عن عبدي، وللمؤلّف في بني إسرائيل، ومسلم: أن رجلاً كان فيمن كان قبلكم أتاه الملك ليقبض روحه فقيل له هل علمت من خير؟ قال ما أعلم قيل له: انظر. قال: ما أعلم شيئًا غير أني كنت أبايع الناس في الدنيا فأجازيهم فأنظر الموسر وأتجاوز عن المعسر فأدخله الله الجنة. قال المظهري: هذا السؤال منه كان في القبر، وقال الطيبي: يحتمل أن يكون فقيل مسندًا إلى الله تعالى والفاء عاطفة على مقدّر أي أتاه الملك ليقبض روحه فبعثه الله تعالى فقال له فأجابه فأدخله الله الجنة، وعلى قول المظهري فقبض وأدخل القبر فتنازع ملائكة الرحمة وملائكة العذاب فيه فقيل له ذلك، وينصر هذا قوله في الرواية الأخرى تجاوزوا عن عبدي.
وحديث الباب أخرجه المؤلّف في الاستقراض وفي ذكر بني إسرائيل، ومسلم في البيوع، وابن ماجة في الأحكام.
(وقال أبو مالك) سعد بن طارق الأشجعي الكوفي ولأبوي ذر والوقت قال أبو عبد الله أي البخاري، وقال أبو مالك (عن ربعي) هو ابن حراش: (كنت أيسر على الموسر) بضم الهمزة وتشديد السين من التيسير (وأنظر المعسر) وهذا وصله مسلم في صحيحه عن أبي سعيد الأشج قال: حدّثنا الأحمر عن أبي مالك عن ربعي عن حذيفة بلفظ: أتى الله بعبد من عباده آتاه الله مالاً فقال له: ماذا عملت في الدنيا؟ قال: ﴿ولا يكتمون الله حديثًا﴾ [النساء: ٤٢] قال: يا رب آتيتني مالاً فكنت أبايع الناس وكان من خلقي الجواز فكنت أيسر على الموسر وأنظر المعسر، فقال الله تعالى: أنا أحق بذا منك تجاوزوا عن عبدي. قال عقبة بن عامر الجهني وأبو مسعود الأنصاري: هكذا سمعناه من في رسول الله ﷺ.
(وتايعه) أي تابع أبا مالك (شعبة) بن الحجاج (عن عبد الملك) بن عمير (عن ربعي) أي عن حذيفة في قوله: وأنظر المعسر، وهذه المتابعة وصلها ابن ماجة من طريق أبي عامر عن شعبة بهذا اللفظ، ورواها البخاري في الاستقراض عن مسلم بن إبراهيم عن شعبة بلفظ: فأتجوّز عن الموسر وأخفف عن المعسر.
(وقال أبو عوانة) الوضاح بن عبد الله اليشكري مما وصله المؤلّف في ذكر بني إسرائيل (عن عبد الملك عن ربعي: أنظر الموسر وأتجاوز عن المعسر) وهذا موافق للترجمة.
(وقال نعيم بن أبي هند) بضم النون وفتح العين مصغرًا الأشجعي مما وصله مسلم (عن ربعي: فأقبل من الموسر وأتجاوز عن المعسر) قال ابن التين مما نقله في الفتح: رواية من روى وأنظر الموسر أولى من رواية من روى وأنظر المعسر لأن إنظار المعسر واجب. قال في الفتح: ولا يلزم من كونه واجبًا أن لا يؤجر صاحبه عليه أو يكفر عنه بذلك من سيئاته.
١٨ - باب مَنْ أَنْظَرَ مُعْسِرًا
(باب) فضل (من أنظر معسرًا) وهو الذي لم يجد وفاء.
٢٠٧٨ - حَدَّثَنَا هِشَامُ بْنُ عَمَّارٍ حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ حَمْزَةَ حَدَّثَنَا الزُّبَيْدِيُّ عَنِ الزُّهْرِيِّ عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ أَنَّهُ سَمِعَ أَبَا هُرَيْرَةَ ﵁ عَنِ النَّبِيِّ ﷺ قَالَ: «كَانَ تَاجِرٌ يُدَايِنُ النَّاسَ، فَإِذَا رَأَى مُعْسِرًا قَالَ لِفِتْيَانِهِ: تَجَاوَزُوا عَنْهُ لَعَلَّ اللَّهَ أَنْ يَتَجَاوَزَ عَنَّا، فَتَجَاوَزَ اللَّهُ عَنْهُ».
[الحديث ٢٠٧٨ - طرفه في: ٣٤٨٠].
وبه قال: (حدّثنا هشام بن عمار) السلمي قال: (حدّثنا يحيى بن حمزة) بالحاء المهملة والزاي الحضرمي قاضي دمشق قال: (حدّثنا الزبيدي) بضم الزاي وفتح الموحدة محمد بن الوليد بن عامر (عن الزهري) محمد بن مسلم (عن عبيد الله بن عبد الله) بتصغير الأول ابن عتبة بن مسعود أحد الفقهاء السبعة (أنه سمع أبا هريرة ﵁) يحدّث (عن النبي ﷺ) أنه (قال):
(كان تاجر يداين الناس) وفي رواية أبي صالح عن أبي هريرة عند النسائي أن رجلاً لم يعمل خيرًا قطّ وكان يداين الناس (فإذا رأى معسرًا قال لفتيانه) لخدّامه (تجاوزوا عنه) وعند النسائي فيقول لرسوله خذ ما تيسر واترك ما عسر وتجاوز (لعل الله أن يتجاوز عنّا فتجاوز الله عنه) وعند النسائي: فلما هلك قال الله تعالى له: هل عملت خيرًا قط؟ قال: لا إلا أنه كان لي غلام وكنت