للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

الصلاة والسلام: ليس من بلد إلا سيطؤه الدجال إلا مكة والمدينة التساوي بين فضل مكة والمدينة ومباحث التفضيل بين الموضعين مشهورة. وقال الأبيّ من المالكية واختار ابن رشد وشيخنا أبو عبد الله أي ابن عرفة تفضيل مكة. واحتج ابن رشد لذلك بأن الله تعالى جعل بها قبلة الصلاة وكعبة الحج وبأنه تعالى جعل لها مزية بتحريم الله تعالى إياها أن الله حرم مكة ولم يحرمها الناس، وأجمع أهل العلم على وجوب الجزاء على من صاد بحرمها ولم

يجمعوا على وجوبه على من صاد بالمدينة ومن دخله كان آمنًا ولم يقل أحد بذلك في المدينة، وكان الذنب في حرم مكة أغلظ منه في حرم المدينة فكان ذلك دليلاً على فضلها عليها. قال: ولا حجة في الأحاديث المرغبة في سكنى المدينة على فضلها عليها قال: ولا دليل في قوله أمرت بقرية تأكل القرى لأنه إنما أخبر أنه أمر بالهجرة إلى قرية تفتح منها البلاد.

(يقولون) أي بعض المنافقين للمدينة (يثرب) يسمونها باسم واحد من العمالقة نزلها وقيل يثرب بن قانئة من ولد ارم بن سام بن نوح وهو اسم كان لموضع منها سميت كلها به، وكرهه -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- لأنه من التثريب الذي هو التوبيخ والملامة أو من الثرب وهو الفساد وكلاهما قبيح، وقد كان عليه الصلاة والسلام يحب الاسم الحسن ويكره الاسم القبيح ولذا بدله بطابة والمدينة ولذلك قال: يقولون ذلك (وهي المدينة) أي الكاملة على الإطلاق كالبيت للكعبة والنجم للثريا فهو اسمها الحقيق بها لأن التركيب يدل على التفخيم كقول الشاعر:

هم القوم كل القوم يا أم خالد.

أي: هي المستحقة لأنه تتخذ دار إقامة، وأما تسميتها في القرآن بيثرب فإنما هو حكاية عن المنافقين.

وروى أحمد عن البراء بن عازب رفعه من سمى المدينة يثرب فليستغفر الله هي طابة هي طابة.

روى عمر بن شبة عن أبي أيوب أن رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- نهى أن يقال للمدينة يثرب، ولهذا قال عيسى بن دينار من المالكية: من سمى المدينة يثرب كتبت عليه خطيئة، لكن في الصحيحين في حديث الهجرة فإذا هي يثرب وفي رواية لا أراها إلا يثرب وقد يجاب بأنه قبل النهي.

(تنفي) المدينة (الناس) أي الخبيث الرديء منهم في زمنه عليه الصلاة والسلام أو زمن الدجال (كما ينفي الكير) بكسر الكاف وسكون التحتية. قال في القاموس زق ينفخ فيه المداد وأما المبني من الطين فكور (خبث الحديد) بفتح الخاء المعجمة والموحدة ونصب المثلثة على المفعولية أي: وسخه الذي تخرجه النار أي أنها لا تترك فيها من في قلبه دغل بن تميزه عن القلوب الصادقة وتخرجه كما تميز النار رديء الحديد من جيده، ونسب التمييز للكير لكونه السبب الأكبر في اشتعال النار التي وقع التمييز بها، وقد خرج من المدينة بعد الوفاة النبوية معاذ وأبو عبيدة وابن مسعود وطائفة ثم عليّ وطلحة والزبير وعمار وآخرون وهم من أطيب الخلق فدلّ على أن المراد بالحديث تخصيص ناس دون ناس ووقت دون وقت.

وهذا الحديث أخرجه مسلم أيضًا في الحج وكذا النسائي فيه وفي التفسير.

٣ - باب الْمَدِينَةُ طَابَةُ

(باب المدينة) بالإضافة من أسمائها (طابة) وفي نسخة باب التنوين المدينة طابة، ولأبي ذر:

طابة بالتنوين وأصل طابة فقلبت الياء ألفًا لتحركها وانفتاح ما قبلها أي من أسمائها طابة وليس فيه ما يدل على أنها لا تسمى بغير ذلك ولها أسماء كثيرة، وكثرة الأسماء تدل على شرف المسمى فمن أسمائها: طيبة كهيبة وطيبة كصيبة وطائب ككاتب فهذه الثلاثة مع طابة كشامة أخوات لفظًا ومعنى مختلفات صيغة ومبنى وذلك لطيب رائحتها وأمورها كلها ولطهارتها من الشرك وحلول الطيب بها، صلوات الله وسلامه عليه ولطيب العيش بها ولكونها تنفي خبثها وتنصع طيبها ولله در الأشبيلي حيث قال:

لتربة المدينة نفحة ليس كما عهد من الطيب.

بل هو عجب من الأعاجيب.

وقال بعضهم مما ذكره في الفتح وفي طيب ترابها وهوائها دليل شاهد على صحة هذه التسمية لأن من أقام بها يجد من تربتها وحيطانها رائحة طيبة لا يكاد يجدها في غيرها اهـ.

ومن أسمائها بيت الرسول -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قال الله تعالى:

<<  <  ج: ص:  >  >>