وفي آخره ميم كذا ضبطه الأصيلي والجياني لأنه من الأنصار.
قال القاضي عياض: وأهل العربية يفتحون اللام لكراهة توالي الكسرات وضبطه الأكثرون بكسر اللام نسبة إلى سلمة بكسرها، المتوفّى بالمدينة سنة أربع وخمسين (أن رسول الله ﷺ قال: إذا دخل أحدكم المسجد) أي وهو متوضئ (فليركع) أي فليصلِّ ندبًا (ركعتين) تحية المسجد (قبل أن يجلس) تعظيمًا للبقعة فلو خالف وجلس هل يشرع له التدارك؟ صرح جماعة بأنه لا يشرع له التدارك ولو جلس سهوًا وقصر الفصل شرع له ذلك كما جزم به في التحقيق، ونقله في الروضة عن ابن عبدان واستغربه وأيّده بأنه ﷺ قال وهو قاعد على المنبر يوم الجمعة لسليك الغطفاني لما قعد قبل أن يصلّي: (قم فاركع ركعتين) إذ مقتضاه كما في المجموع أنه إذا تركها جهلاً أو سهوًا شرع له فعلها إن قصر الفصل قال وهو المختار، قال في شرح المهذب: فإن صلّى أكثر من ركعتين بتسليمة واحدة جاز وكانت كلها تحية لاشتمالها على الركعتين، وتحصل بفرض أو نفل آخر سواء نويت معه أم لا، لأن المقصود وجود صلاة قبل الجلوس، وقد وجدت بما ذكر ولا تضرّه نيّة التحية لأنها سُنة غير مقصودة بخلاف نيّة فرض، وسُنة مقصودة لا تصحّ، ولا تحصل بركعة ولا بجنازة وسجدة تلاوة وشكر على
الصحيح، ولا تسنّ لداخل المسجد الحرام لاشتغاله بالطواف واندراجها تحت ركعتيه ولا إذا اشتغل الإمام بالفرض لحديث الصحيحين: إذا أقيمت الصلاة فلا صلاة إلاّ المكتوبة، ولا إذا شرع المؤذن في إقامة الصلاة أو قرب إقامتها، ولا للخطيب يوم الجمعة عند صعوده المنبر على الأصح في الروضة، ولو دخل وقت كراهة كره له أن يصلّيها في قول أبي حنيفة وأصحابه ومالك، والصحيح من مذهب الشافعى عدم الكراهة.
ورواة هذا الحديث كلهم مدنيون إلا الأول، وفيه التحديث والإخبار والعنعنة، وأخرجه مسلم وأبو داود والترمذي والنسائي.
٦١ - باب الْحَدَثِ فِي الْمَسْجِدِ
(باب) حكم (الحدث) الناقض للوضوء كالريح ونحوه الحاصل (في المسجد).
٤٤٥ - حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ يُوسُفَ قَالَ: أَخْبَرَنَا مَالِكٌ عَنْ أَبِي الزِّنَادِ عَنِ الأَعْرَجِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ قَالَ: «الْمَلَائِكَةُ تُصَلِّي عَلَى أَحَدِكُمْ مَا دَامَ فِي مُصَلاَّهُ الَّذِي صَلَّى فِيهِ مَا لَمْ يُحْدِثْ، تَقُولُ: اللَّهُمَّ اغْفِرْ لَهُ، اللَّهُمَّ ارْحَمْهُ».
وبه قال: (حدّثنا عبد الله بن يوسف) التنيسي (قال: أخبرنا مالك) هو ابن أنس الأمام (عن أبي الزناد) بكسر الزاي وبالنون عبد الله بن ذكوان (عن الأعرج) عبد الرحمن بن هرمز (عن أبي هريرة) ﵁.
(أن رسول الله ﷺ قال: الملائكة) وللكشميهني أن الملائكة والجمع المحلى بأل يفيد الاستغراق
(تصلي على أحدكم ما دام في مصلاه) بضم الميم أي ما دام في المكان (الذي صلّى فيه ما لم يحدث) بضم أوله وسكون ثانيه أي ما لم يحصل منه ما ينقض الطهارة، فإن أحدث حرم استغفارهم ولو استمر جالسًا معاقبة له لإيذائه لهم برائحته الخبيثة، وهو يدلّ على أنه أشدّ من النخامة لأن لها كفّارة وهي الدفن بخلافه وصلاة الملائكة (تقول اللهمَّ اغفر له) ذنوبه (اللهمّ ارحمه) ومباحثه تأتي إن شاء الله تعالى في باب من جلس ينتظر الصلاة، وفيه التحديث والإخبار والعنعنة، وأخرجه المؤلّف أيضًا في الصلاة ومسلم وأبو داود والنسائي.
٦٢ - باب بُنْيَانِ الْمَسْجِدِ
وَقَالَ أَبُو سَعِيدٍ: كَانَ سَقْفُ الْمَسْجِدِ مِنْ جَرِيدِ النَّخْلِ.
وَأَمَرَ عُمَرُ بِبِنَاءِ الْمَسْجِدِ وَقَالَ: أَكِنَّ النَّاسَ مِنَ الْمَطَرِ، وَإِيَّاكَ أَنْ تُحَمِّرَ أَوْ تُصَفِّرَ فَتَفْتِنَ النَّاسَ.
وَقَالَ أَنَسٌ يَتَبَاهَوْنَ بِهَا ثُمَّ لَا يَعْمُرُونَهَا إِلاَّ قَلِيلاً. وَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: لَتُزَخْرِفُنَّهَا كَمَا زَخْرَفَتِ الْيَهُودُ وَالنَّصَارَى.
(باب بنيان المسجد) النبوي (وقال أبو سعيد) الخدري ﵁ مما وصله المؤلّف في الاعتكاف: (كان سقف المسجد) النبوي (من جريد النخل) أي الذي يجرد عنه الخوص فإن لم يجرد فسعف، (وأمر عمر) بن الخطاب ﵁ (ببناء المسجدِ) النبوي (وقال) للصانع: (أكنّ الناس من المطر) بفتح الهمزة وكسر الكاف وفتح النون المشددة على صيغة الأمر من الأكنان أي اصنع لهم كنَّا بالكسر وهو ما يسترهم من الشمس وهي رواية الأصيلي وهي الأظهر، وفي رواية: أكن كذلك لكن مع كسر النون، ولأبي ذر عن الحموي والمستملي أكن بضم الهمزة والنون المشددة بلفظ المتكلم من الفعل المضارع المرفوع، وضبطه بعضهم كن بحذف الهمزة وكسر الكاف وتشديد النون على صيغة الأمر على أن أصله أكن فحذفت الهمزة تخفيفًا. قال القاضي: وهو صحيح، وجوّز ابن مالك كن بضم الكاف وحذف الهمزة على أنه من كن فهو مكنون