(حدّثنا سليمان بن حرب) الواشحي بمعجمة ثم مهملة البصري قال: (حدّثنا حماد هو ابن زيد عن أيوب) السختياني (عن سعيد بن جبير) بضم الجيم وفتح الموحدة الكوفي الأسدي قتل بين يدي الحجاج سنة خمس وتسعين ومائة (عن ابن عباس -رضي الله عنهما- قال: قدم رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وأصحابه) في عمرة القضية سنة سبع (فقال المشركون): من قريش (إنه) أي النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- (يقدم) بفتح الدال مضارع قدم بكسرها أي يرد (عليكم و) الحال أنه (قد) بالقاف (وهنهم)، ولابن السكن: قد وهنهم بحذف حرف العطف، وهاء وهنهم مفتوحة والضمير للصحابة أي أضعفهم (حمى يثرب) بفتح الموحدة غير منصرف اسم المدينة الشريفة في الجاهلية، وحمى رفع على الفاعلية، ولأبي ذر: إنه يقدم عليكم وفد بالفاء والرفع فاعل يقدم أي جماعة، وحينئذ يكون قوله: وهنهم حمى يثرب في موضع رفع صفة لوفد وضمير الشأن.
(فأمرهم النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، أن يرملوا) بضم الميم مضارع رمل بفتحها (الأشواط الثلاثة)، ليرى المشركون قوتهم بهذا الفعل لأنه أقطع في تكذيبهم وأبلغ في نكايتهم، ولذا قالوا كما في مسلم: هؤلاء الذين زعمتم أن الحمى وهنتهم هؤلاء أجلد من كذا وكذا والأشواط: جمع شوط بفتح الشين، والمراد به هنا الطوفة حول الكعبة زادها الله تعالى شرفًا وهو منصوب على الظرفية. (و) أمرهم عليه الصلاة والسلام (أن يمشوا ما بين الركنين) اليمانيين حيث لا يراهم المشركون لأنهم كانوا مما يلي الحجر من قبل قعيقعان، وهذا منسوخ بما يأتي إن شاء الله تعالى.
قال ابن عباس: (ولم يمنعه أن يأمرهم) أي من أن يأمرهم فحذف الجار لعدم اللبس، وموضع أن تاليها بعد حذفه جر أو نصب، قولان (أن يرملوا الأشواط كلها) أي بأن يرملوا فحذف الجار كذلك أو لا حذف أصلاً لأنه يقال: أمرته بكذا وأمرته كذا أي لم يمنعه عليه الصلاة والسلام أن يأمرهم بالرمل في الطوفات كلها (إلا الإبقاء عليهم) بكسر الهمزة وسكون الموحدة وبالقاف ممدودًا
مصدر أبقى عليه إذا رفق به وهو مرفوع فاعل لم يمنعه، لكن الإبقاء لا يناسب أن يكون هو الذي منعه من ذلك لإبقاء معناه الرفق كما في الصحاح فلا بدّ من تأويله بإرادة ونحوها أي: لم يمنعه من الأمر بالرمل في الأربعة إلا إرادته عليه الصلاة والسلام الإبقاء عليهم فلم يأمرهم به وهم لا يفعلون شيئًا إلا بأمره، وقول الزركشي وتبعه العيني كالحافظ ابن حجر: ويجوز النصب على أنه مفعول لأجله ويكون في يمنعهم ضمير عائد إلى النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- هو فاعله. تعقبه في المصابيح بأن تجويز النصب مبني على أن يكون في لفظ حديث البخاري لم يمنعهم وليس كذلك إنما فيه لم يمنعه فرفع الإبقاء متعين لأنه الفاعل، وهذا الذي قاله الزركشي وقع للقرطبي في شرح مسلم، وفي الحديث ولم يمنعهم فجوز فيه الوجهين وهو ظاهر، لكن نقله إلى ما في البخاري غير متأت.
وهذا الحديث أخرجه المؤلّف أيضًا في المغازي، ومسلم وأبو داود والنسائي في الحج.
٥٦ - باب اسْتِلَامِ الْحَجَرِ الأَسْوَدِ حِينَ يَقْدَمُ مَكَّةَ أَوَّلَ مَا يَطُوفُ، وَيَرْمُلُ ثَلَاثًا
(باب استلام الحجر الأسود حين يقدم مكة أول ما يطوف ويرمل ثلاثًا) أي ثلاث مرات، وأول نصب على الظرفية، والاستلام افتعال من السلام بكسر السين وهي الحجارة قاله ابن قتيبة، فلما كان لمسًا للحجر قيل له استلام أو من السلام بفتحها وهو التحية قاله الأزهري لأن ذلك الفعل سلام على الحجر، وأهل اليمن يسمون الركن الأسود المحيا أو هو استلام مهموز من الملاءمة وهي الاجتماع أو استفعل من اللأمة وهي الدرع لأنه إذا لمس الحجر تحصن بحصن من العذاب كما بتحصن باللأمة من الأعداء.
فإن قيل: كان القياس فيه على هذا أن يكون استلام لا استلم، أجيب: باحتمال أن يكون خفف بنقل حركة الهمزة إلى اللام الساكنة قبلها ثم حذفت الهمزة ساكنة قاله في المصابيح.
١٦٠٣ - حَدَّثَنَا أَصْبَغُ بْنُ الْفَرَجِ أَخْبَرَنِي ابْنُ وَهْبٍ عَنْ يُونُسَ عَنِ ابْنِ شِهَابٍ عَنْ سَالِمٍ عَنْ أَبِيهِ -رضي الله عنه- قَالَ "رَأَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- حِينَ يَقْدَمُ مَكَّةَ إِذَا اسْتَلَمَ الرُّكْنَ الأَسْوَدَ أَوَّلَ مَا يَطُوفُ يَخُبُّ ثَلَاثَةَ أَطْوَافٍ مِنَ السَّبْعِ". [الحديث ١٦٠٣ - أطرافه في: ١٦٠٤، ١٦١٦، ١٦١٧، ١٦٤٤].
وبالسند قال: (حدّثنا أصبغ بن الفرج) بفتح الهمزة وسكون المهملة وفتح الموحدة آخره معجمة في الأول وبالفاء والجيم في الثاني ابن سعيد الأموي (قال: أخبرني) بالإفراد وفي بعضها أخبرنا (ابن وهب)