تعالى في آخر أبواب المكاتب: اشتريها ودعيهم يشترطون ما شاءوا، وقيل غير ذلك مما سيأتي إن شاء الله تعالى في محاله. واختلف هل يجوز بيع الكتابة؟ فقال المالكية: يجوز بيع جميعها أو جزء منها فإن وفى المكاتب ما عليه من نجوم الكتابة للمشتري عتق والولاء للأول لأنه قد انعقد له أولاً وإلا بأن عجز أو هلك قبل ذلك فهو رقيق للمشتري، وقال الشافعية: لا يصح.
(ثم قام رسول الله-ﷺ في الناس فحمد الله تعالى وأثنى عليه ثم قال: أما بعد) أي بعد الحمد والثناء (ما بال رجال) ما حالهم وحذف الفاء في جواب أما دليل على جوازه ومثله ما سبق في الحج في باب طواف القارن حيث قال: وأما الذين جمعوا بين الحج والعمرة طافوا بغير فاء لكنه نادر (يشترطون شروطًا ليست في كتاب الله. ما كان من شرط ليس في كتاب الله فهو باطل) جواب ما الموصولة المتضمنة لمعنى الشرط (وإن كان) المشروط (مائة شرط) مبالغة وتأكيد (قضاء الله أحق) بالاتباع من الشروط المخالفة له (وشرط الله أوثق) باتباع حدوده التي حدها وليس أفعل التفضيل هنا على بابه إذ لا مشاركة بين الحق والباطل (وإنما الولاء لمن أعتق) وكلمة إنما للحصر فيستفاد منه إثبات الحكم للمذكور ونفيه عمّا عداه ولولا ذلك لما لزم من إثبات الولاء لمن أعتق نفيه عن غيره.
٢١٦٩ - حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ يُوسُفَ أَخْبَرَنَا مَالِكٌ عَنْ نَافِعٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ - رضى الله
عنهما -: "أَنَّ عَائِشَةَ أُمَّ الْمُؤْمِنِينَ أَرَادَتْ أَنْ تَشْتَرِيَ جَارِيَةً فَتُعْتِقَهَا، فَقَالَ أَهْلُهَا: نَبِيعُكِهَا عَلَى أَنَّ وَلَاءَهَا لَنَا. فَذَكَرَتْ ذَلِكَ لِرَسُولِ اللَّهِ ﷺ فَقَالَ: لَا يَمْنَعُكِ ذَلِكَ، فَإِنَّمَا الْوَلَاءُ لِمَنْ أَعْتَقَ".
وبه قال: (حدّثنا عبد الله بن يوسف) التنيسي قال: (أخبرنا مالك) الإمام (عن نافع عن عبد الله بن عمر ﵄ أن عائشة) ﵂ (أم المؤمنين) وفي رواية مسلم عن يحيى بن يحيى النيسابوري عن مالك عن نافع عن ابن عمر عن عائشة فصار من مسند عائشة، لكن يمكن أن تكون هنا عن لا يراد بها أداة الرواية بل في السياق شيء محذوف تقديره عن قصة عائشة في كونها (أرادت أن تشتري جارية) هي بريرة (فتعتقها) بالنصب عطفًا على المنصوب السابق (فقال أهلها) مواليها: (نبيعكها على أن ولاءها لنا فذكرت) عائشة (ذلك لرسول الله ﷺ فقال):
(لا يمنعك ذلك) بكسر الكاف ولأبي ذر في باب ما يجوز من شروط المكاتب لا يمنعنك بنون التأكيد وهو كقوله ابتاعي فاعتقي وليس في ذلك شيء من الإشكال الذي وقع في رواية هشام السابقة (فإنما الولاء لمن أعتق).
٧٤ - باب بَيْعِ التَّمْرِ بِالتَّمْرِ
(باب بيع التمر بالتمر) بالمثناة وسكون الميم فيهما.
٢١٧٠ - حَدَّثَنَا أَبُو الْوَلِيدِ حَدَّثَنَا اللَّيْثُ عَنِ ابْنِ شِهَابٍ عَنْ مَالِكِ بْنِ أَوْسٍ سَمِعَ عُمَرَ ﵄ عَنِ النَّبِيِّ ﷺ قَالَ: «الْبُرُّ بِالْبُرِّ رِبًا إِلاَّ هَاءَ وَهَاءَ، وَالشَّعِيرُ بِالشَّعِيرِ رِبًا إِلاَّ هَاءَ وَهَاءَ، وَالتَّمْرُ بِالتَّمْرِ رِبًا إِلاَّ هَاءَ وَهَاءَ».
وبه قال: (حدّثنا أبو الوليد) هشام بن عبد الملك الطيالسي قال: (حدّثنا الليث) بن سعد الإمام، ولأبي ذر: ليث بإسقاط أداة التعريف (عن ابن شهاب) محمد بن مسلم الزهري (عن مالك بن أوس) أنه (سمع ابن عمر) بضم العين (﵄) يقول (عن النبي ﷺ) أنه (قال):
(البر بالبر) بضم الموحدة بيع القمح بالقمح (ربًا إلا هاء وهاء) بالمد وفتح الهمزة وقيل بالكسر وقيل بالسكون والمعنى خذ وهات أي يقول كل واحد من المتعاقدين لصاحبه هاء فيتقابضان في المجلس (والشعير بالشعير) بفتح الشين على المشهور وحكي كسرها اتباعًا (ربًا إلا هاء وهاء). واستدلّ به على أن البر والشعير صنفان عند الجمهور خلافًا لمالك ﵀ فعنده أنهم صنف واحد (والتمر بالتمر ربًا إلا هاء وهاء). زاد مسلم من رواية أبي سعيد الخدري "والملح بالملح" ويقاس على ذلك سائر الطعام وهو ما قصد للطعم اقتياتًا أو تفكهًا أو تداويًا فإنه نص على البر والشعير، والمقصود منهما التقوت فألحق بهما ما يشاركهما في ذلك كالأرز والذرة وعلى التمر والمقصود منه التأدم والتفكّه فألحق به ما يشاكله في ذلك كالزبيب والتين، وعلى الملح المروي في مسلم والمقصود منه الإصلاح فألحق به ما يشاركه في ذلك كالمصطكى وغيرها من الأدوية فيشترط في بيع ذلك إذا كانا
جنسًا واحدًا ثلاثة أمور: الحلول والمماثلة والتقابض في المجلس قبل التفرّق. وإن كانا جنسين كحنطة وشعير جاز التفاضل واشترط الحلول والتقابض قبل التفرق، ويدل له حديث الباب مع حديث مسلم: الذهب بالذهب والفضة بالفضة والبر بالبر والشعير بالشعير والتمر بالتمر والملح بالملح مثلاً بمثل سواء