بخلاف الدراهم والدنانير فإن إنفاقها منها بغير إذنه لا يجوز فلو اضطرب العرف أو شكت في رضاه أو كان شحيحًا يشح بذلك وعلمت ذلك من حاله أو شكت فيه حرم عليها التصدق من ماله إلا بصريح أمره، وليس في حديث الباب تصريح بجواز التصدق بغير إذنه. نعم في حديث أبي هريرة عند مسلم: وما أنفقت من كسبه من غير أمره فإن نصف أجره له، لكن قال النووي: معناه من غير أمره الصريح في ذلك القدر العين ويكون معها إذن عام سابق متناول لهذا القدر وغيره إما بالصريح أو بالمفهوم كما مرّ. قال النووي: وقال الخطابي هو على العرف الجاري وهو إطلاق رب البيت لزوجته إطعام الضيف والتصدق على السائل فندب الشارع ربة البيت لذلك ورغبها فيه على وجه الإصلاح لا الفساد والإسراف. وفي حديث أبي أمامة الباهلي عند الترمذي مرفوعًا وقال حسن "لا تنفق امرأة شيئًا من بيت زوجها إلا بإذن زوجها" قيل يا رسول الله ولا الطعام؟ قال:"ذاك أفضل أموالنا". وفي حديث سعد بن أبي وقاص عند أبي داود لما بايع رسول الله ﷺ النساء قامت امرأة فقالت: يا رسول الله إنا كل على آبائنا وأبنائنا قال أبو داود: وأرى فيه وأزواجنا فما يحل لنا من أموالهم؟ قال:"الرطب تأكليه وتهديه". قال أبو داود: الرطب أي بفتح الراء الخبز والبقل، والرطب أي بضم الراء وتحصل من هذا أن الحكم يختلف باختلاف عادة البلاد وحال الزوج من مسامحة وغيرها باختلاف حال المنفق منه بين أن يكون يسيرًا يتسامح به، وبين أن يكون له خطر في نفس الزوج يبخل بمثله، وبين أن يكون ذلك رطبًا يخشى فساده إن تأخر وبين غيره (كان لها) أي للمرأة (أجرها بما أنفقت)، غير مفسدة (ولزوجها أجره بما كسب)، أي بسبب كسبه (وللخازن) الذي يكون بيده حفظ الطعام المتصدق منه (مثل ذلك)، من الأجر (لا ينقص بعضهم أجر بعض) أي من أجر بعض (شيئًا) نصب مفعول ينقص أو ينقص كيزيد يتعدى إلى مفعولين الأول أجر والثاني شيئًا كـ ﴿زادهم الله مرضًا﴾ [البقرة: ١٠].
وفي هذا الحديث التحديث والعنعنة وتابعي عن تابعي عن صحابي، ورواته كلهم كوفيون وجرير رازي أصله من الكوفة، وأخرجه أيضًا في الزكاة والبيوع، ومسلم في الزكاة وكذا أبو داود والترمذي، وأخرجه النسائي في عشرة النساء، وابن ماجة في التجارات.
هذا (باب) بالتنوين (لا صدقة) كاملة (إلا عن ظهر غنى) أي غنى يستظهر به على النوائب التي تنوبه قاله البغوي والتنكير فيه للتفخيم.
ولفظ الترجمة حديث رواه أحمد من طريق عطاء عن أبي هريرة. وذكره المصنف تعليقًا فى الوصايا (ومن تصدق وهو محتاج) جملة اسمية حالية كالجملتين بعد وهما قوله (أو أهله محتاج أو عليه دين) مستغرق (فالدين) جواب الشرط وفي الكلام حذف أي فهو أحق أن يقضى من الصدقة والعتق والهبة (وهو) أي الشي المتصدق به (رد عليه)، غير مقبول لأن قضاء الدين واجب كنفقَة عياله والصدقة تطوع، ومقتضاه أن الدين المستغرق مانع من صحة التبرع، لكن محله إذا حجر عليه الحاكم بالفلس. وقد نقل فيه صاحب المغني وغيره الإجماع فيحمل إطلاق المؤلّف عليه (ليس له أن يتلف أموال الناس) في الصدقة. (قال) ولأبي ذر: وقال (النبي ﷺ) في حديث وصله المؤلّف فى الاستقراض:
(من أخذ أموال الناس يريد إتلافها أتلفه الله) فمن أخذ دينًا وتصدق به ولا يجد ما يقضي به الدين فقد دخل في هذا الوعيد. قال المؤلّف مستثنيًا من الترجمة أو ممن تصدق (إلا أن يكون معروفًا بالصبر) فيتصدق مع عدم الغنى أو مع الحاجة (فيؤثر) بالمثلثة يقدم غيره (على نفسه) بما معه (ولو كان به خصاصة) حاجة (كفعل أبي بكر) الصديق (حين تصدق بماله). كله فيما رواه أبو داود وغيره، (وكذلك آثر الأنصار المهاجرين) حين قدموا عليهم المدينة وليس بأيديهم شيء حتى إن من كان