بن طرخان (التيمي) أبو المعتمر نزل البصرة (قال: سمعت أنسًا ﵁ يقول: عطس) بفتح الطاء (رجلان عند النبي ﷺ فشمت أحدهما ولم يشمت الآخر فقال الرجل) العاطس الذي لم يشمت (يا رسول الله شمّت هذا ولم تشمتني. قال):
(إن هذا حمد الله ولم تحمد الله). وفي الطبراني من حديث سهل أن الرجلين هما عامر بن الطفيل بن مالك وابن أخيه، وكان عامر قدم المدينة ووقع بينه وبين ثابت بن قيس بحضرة النبي ﷺ كلام، ثم عطس ابن أخيه فحمد فشمته النبي ﷺ، ثم عطس عامر فلم يحمد فلم يشمته فسأله، ومات عامر هذا كافرًا فكيف يخاطب النبي ﷺ بقوله: يا رسول الله فيحتمل كما قال في الفتح: أن يكون قالها غير معتقد بل باعتبار ما يخاطبه المسلمون، وأشار المصنف ﵀ بهذه الترجمة إلى أن الحكم عام وليس مخصوصًا بالرجل الذي وقع له ذلك وإن كانت واقعة حال لا
عموم فيها، لكن ورد الأمر بذلك فيما أخرجه مسلم من حديث أبي موسى بلفظ: إذا عطس أحدكم فشمّتوه، وإن لم يحمد الله فلا تشمتوه، وهل هذا النهي للتحريم أو التنزيه؟ الجمهور على أنه للتنزيه. قال النووي: يستحب لمن حضر من عطس فلم يحمد أن يذكره الحمد ليحمد فيشمته.
[(لطيفة)]
أخرج ابن عبد البر بسند جيد عن أبي داود صاحب السنن أنه كان في سفينة فسمع عاطسًا على الشط حمد فاكترى قاربًا بدرهم حتى جاء إلى العاطس فشمّته ثم رجع فسئل عن ذلك فقال: لعله يكون مجاب الدعوة فلما رقدوا سمعوا قائلاً يقول: يا أهل السفينة إن أبا داود اشترى الجنة من الله بدرهم ذكره في الفتح.
١٢٨ - باب إِذَا تَثَاوَبَ فَلْيَضَعْ يَدَهُ عَلَى فِيهِ
هذا (باب) بالتنوين يذكر فيه (إذا تثاوب) بالواو، ولأبي ذر عن الحموي والمستملي تثاءب بالهمز (فليضع يده على فيه) ليغطي بها ما انفتح منه حفظًا له عن الانتفاح بسبب ذلك ويحصل ذلك بنحو الثوب أيضًا مما يحصل به الغرض.
٦٢٢٦ - حَدَّثَنَا عَاصِمُ بْنُ عَلِىٍّ، حَدَّثَنَا ابْنُ أَبِى ذِئْبٍ، عَنْ سَعِيدٍ الْمَقْبُرِىِّ، عَنْ أَبِيهِ عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ عَنِ النَّبِيِّ ﷺ قَالَ: «إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْعُطَاسَ، وَيَكْرَهُ التَّثَاؤُبَ فَإِذَا عَطَسَ أَحَدُكُمْ وَحَمِدَ اللَّهَ كَانَ حَقًّا عَلَى كُلِّ مُسْلِمٍ سَمِعَهُ أَنْ يَقُولَ لَهُ: يَرْحَمُكَ اللَّهُ، وَأَمَّا التَّثَاؤُبُ فَإِنَّمَا هُوَ مِنَ الشَّيْطَانِ، فَإِذَا تَثَاوَبَ أَحَدُكُمْ فَلْيَرُدَّهُ مَا اسْتَطَاعَ، فَإِنَّ أَحَدَكُمْ إِذَا تَثَاءَبَ ضَحِكَ مِنْهُ الشَّيْطَانُ».
وبه قال: (حدّثنا عاصم بن علي) الواسطي التيمي مولاهم قال: (حدّثنا ابن أبي ذئب) محمد بن عبد الرحمن (عن سعيد المقبري عن أبيه) كيسان (عن أبي هريرة) ﵁ (عن النبي ﷺ) أنه (قال): (إن الله يحب العطاس ويكره التثاؤب) بالهمزة مصححًا عليه في الفرع وأصله، وقد أنكر الجوهري كونه بالواو فقال: تقول تثاءبت على تفاعلت ولا تقل تثاوبت. وقال غير واحد: إنهما لغتان وبالهمز والمد أشهر (فإذا عطس أحدكم وحمد الله كان حقًّا على كل مسلم سمعه أن يقول له يرحمك الله) أي حقًّا في حسن الآداب ومكارم الأخلاق (وأما التثاؤب) بالواو (فإنما هو من الشيطان) قال ابن العربي: كل فعل مكروه نسبه الشرع إلى الشيطان لأنه بواسطته وذلك بالامتلاء من الأكل الناشئ عنه التكاسل وهو بواسطة الشيطان (فإذا تثاءب أحدكم فليردّه ما استطاع) أي يأخذ في أسباب رده وليس المراد أنه يملك دفعه لأنه الذي وقع لا يرد حقيقة أو المعنى إذا أراد أن يتثاوب (فإن أحدكم إذا تثاءب) بالهمز مصححًا عليه في الفرع (ضحك منه الشيطان) حقيقة أو مجازًا عن الرضا به، والأصل الأول إذ لا ضرورة تدعو إلى العدول عن الحقيقة، وفي مسلم من
حديث أبي سعيد: فإن الشيطان يدخل، وهذا يحتمل أن يراد الدخول حقيقة وهو وإن كان يجري من الإنسان مجرى الدم لكنه لا يتمكن منه ما دام ذاكرًا لله تعالى والمتثاوب في تلك الحالة غير ذاكر فيتمكن الشيطان من الدخول فيه حقيقة، ويحتمل أن يكون أطلق الدخول وأراد التمكن منه لأن من شأن من دخل في شيء أن يكون تمكن منه.
وفي حديث أبي سعيد المقبري عن أبيه عند ابن ماجة: إذا تثاءب أحدكم فليضع يده على فيه ولا يعوي فإن الشيطان يضحك منه. ويعوي بالعين المهملة فشبه التثاؤب الذي يسترسل معه بعواء الكلب تنفيرًا عنه واستقباحًا له، فإن الكلب يرفع رأسه ويفتح فاه ويعوي، والمتثاوب إذا أفرط في التثاؤب شابهه، ومن ثم تظهر النكتة في كونه يضحك منه لأنه صيره ملعبة له بتشويه خلقته في تلك الحالة