بالدنيا تشاهدها من قوله تعالى: {فبصرت به عن جنب} [القصص: ١١] والجملة بعد المجرور بالباء حال أي كأنك تبصر بالدنيا وتشاهدها غير كائنة. ألا ترى إلى قولهم: كأنك بالليل وقد أقبل والواو لا تدخل على الجمل إذا كانت أخبارًا لهذه الحروف. قال الدمياني: ويؤيده أي ما قاله هذا المحقق ثبوت هذه الرواية بنصب أسود أفحج في الحديث، فالنصب على الحالية كما مرّ، ويقلعها في محل نصب على الصفة أو الحال أيضًا.
وفي هذا الحديث التحديث بالجمع والإفراد والعنعنة، وشيخ المؤلّف ويحيى بصريان وابن الأخنس كوفي وابن أبي مليكة مكي.
١٥٩٦ - حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ بُكَيْرٍ حَدَّثَنَا اللَّيْثُ عَنْ يُونُسَ عَنِ ابْنِ شِهَابٍ عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيَّبِ أَنَّ أَبَا هُرَيْرَةَ -رضي الله عنه- قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- «يُخَرِّبُ الْكَعْبَةَ ذُو السُّوَيْقَتَيْنِ مِنَ الْحَبَشَةِ».
وبه قال: (حدّثنا يحيى بن بكير) المخزومي المصري قال: (حدّثنا الليث) بن سعد الإمام المصري (عن يونس) بن يزيد الأيلي (عن ابن شهاب) الزهري (عن سعيد بن المسيب أن أبا هريرة -رضي الله عنه- قال: قال رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-):
(يخرب الكعبة) عند قرب الساعة حين لا يبقى في الأرض أحد يقول الله الله (ذو السويقتين) بضم السين وفتح الواو تثنية سويقة مصغر الساق (من الحبشة) قال في القاموس: الحبش والحبشة محركتين، والأحبش بضم الباء جنس من السودان الجمع حبشان وأحابش اهـ.
قال بعضهم: الحبشة ليس بصحيح في القياس لأنه لا واحد له على مثال فاعل فيكون مكسرًا على فعلة. وقال ابن دريد: وأما قولهم الحبشة فعلى غير قياس، وقد قالوا أيضًا: حبشان ولا أدري كيف هو اهـ.
وإنكارهم لفظ الحبشة على هذا الوزن لا وجه له لأنه ورد في لفظ أفصح الناس، وقال الرشاطي: وهم من ولد كوش بن حام وهم أكثر السودان وجميع ممالك السودان يعطون الطاعة للحبش، وقد جاء في تخريب الكعبة أحاديث كحديث ابن عباس وعائشة عند المؤلّف، وما رواه أبو داود الطيالسي بسند صحيح. وحديث عبد الله بن عمر عند أحمد، وروى ابن الجوزي عن حذيفة
حديثًا طويلاً مرفوعًا فيه: وخراب مكة من الحبشة على يد حبشي أفحج الساقين أزرق العينين أفطس الأنف كبير البطن معه أصحابه ينقضونها حجرًا حجرًا ويتناولونها حتى يرموا بها يعني الكعبة إلى البحر، وخراب المدينة من الجوع، واليمن من الجراد. وذكر الحليمي أن خراب الكعبة يكون في زمن عيسى عليه الصلاة والسلام، وقال القرطبي: بعد رفع القرآن من الصدور والمصاحف وذلك بعد موت عيسى وهو الصحيح.
٥٠ - باب مَا ذُكِرَ فِي الْحَجَرِ الأَسْوَدِ
(باب ما ذكر في الحجر الأسود) ويسمى الركن الأسود وهو في ركن الكعبة الذي يلي الباب من جانب المشرق وارتفاعه من الأرض الآن ذراعان وثلثا ذراع على ما قاله الأزرقي وبينه وبين المقام ثمانية وعشرون ذراعًا.
وفي حديث ابن عباس مرفوعًا ما صححه الترمذي: نزل الحجر الأسود من الجنة وهو أشد بياضًا من اللبن فسوّدته خطايا بني آدم لكن فيه عطاء بن السائب وهو صدوق إلا أنه اختلط وجرير ممن سمع منه بعد اختلاطه، لكن له طريق أخرى في صحيح ابن خزيمة فيقوى بها. وفي هذا الحديث التخويف لأنه إذا كانت الخطايا تؤثر في الحجر فما ظنك بتأثيرها في القلوب؟ وينبغي أن يتأمل كيف أبقاه الله تعالى على صفة السواد أبدًا مع ما مسه من أيدي الأنبياء والمرسلين المقتضي لتبييضه ليكون ذلك عبرة لذوي الأبصار وواعظًا لكل من وافاه من ذوي الأفكار ليكون ذلك باعثًا على مباينة الزلات، ومجانبة الذنوب الموبقات.
وفي حديث عبد الله بن عمرو بن العاصي مرفوعًا: أن الحجر والمقام ياقوتتان من يواقيت الجنة طمس الله نورهما ولولا ذلك لأضاء ما بين المشرق والمغرب. رواه أحمد والترمذي، وصححه ابن حبان لكن في إسناده رجاء أبو يحيى وهو ضعيف، وإنما أذهب الله نورهما ليكون إيمان الناس ْبكونهما حقًا إيمانًا بالغيب ولو لم يطمس لكان الإيمان بهما إيمانًا بالمشاهدة، والإيمان الموجب للثواب هو إيمان بالغيب.
١٥٩٧ - حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ كَثِيرٍ أَخْبَرَنَا سُفْيَانُ عَنِ الأَعْمَشِ عَنْ إِبْرَاهِيمَ عَنْ عَابِسِ بْنِ رَبِيعَةَ عَنْ عُمَرَ -رضي الله عنه- "أَنَّهُ جَاءَ إِلَى الْحَجَرِ الأَسْوَدِ فَقَبَّلَهُ فَقَالَ: إِنِّي أَعْلَمُ أَنَّكَ حَجَرٌ لَا تَضُرُّ وَلَا تَنْفَعُ، وَلَوْلَا أَنِّي رَأَيْتُ النَّبِيَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يُقَبِّلُكَ مَا قَبَّلْتُكَ". [الحديث ١٥٩٧ - طرفاه في: ١٦٠٥، ١٦٠١].
وبالسند قال: (حدّثنا محمد بن كثير) بالمثلثة العبدي قال: (أخبرنا سفيان) الثوري (عن الأعمش) سليمان بن مهران (عن إبراهيم) بن يزيد النخعي (عن عابس بن ربيعة) بالعين المهملة
وبعد الألف موحدة مكسورة وآخره سين مهملة وربيعة بفتح الراء النخعي (عن عمر) بضم العين (-رضي الله عنه-):