طريق سعيد بن أبي عروبة عن قتادة عن ابن سيرين عن أبي هريرة قال: قال رسول الله ﷺ الرؤيا ثلاث (حديث النفس) وهو ما كان في اليقظة كمن يكون في أمر أو عشق صورة فيرى ما يتعلق به في اليقظة من ذلك الأمر أو معشوقه في المنام وهذه لا اعتبار لها في التعبير كاللاحقة وهي المذكورة في قوله: (وتخويف الشيطان) وهو الحلم المكروه بأن يريه ما يحزنه وله مكايد يحزن بها بني آدم إنما النجوى من الشيطان ليحزن الذين آمنوا ومن لعب الشيطان به الاحتلام الموجب للغسل (وبشرى من الله) يأتيه بها ملك الرؤيا من نسخة أم الكتاب (فمن رأى شيئًا يكرهه) في منامه (فلا يقصه على أحد) بضم الصاد المهملة المشددة (وليقم فليصل). وفي باب الحلم من الشيطان فليبصق عن يساره وليستعذ بالله منه فلن يضره. قال القرطبي: والصلاة مجمع البصق عند المضمضة والتعوذ قبل القراءة، وعند ابن ماجة بسند حسن عن خباب بن مالك مرفوعًا: الرؤيا يلابسها أهاويل من الشيطان ليحزن ابن آدم ومنها ما يهتم به الرجل في يقظته فيراه في منامه ومنها جزء من ستة وأربعين جزءًا من النبوّة.
(قال) ابن سيرين: (وكان) أبو هريرة ﵁ (يكره الغل في النوم) ولغير أبي ذر يكره بضم أوله مبنيًّا للمفعول الغسل بالرفع مفعول ناب عن فاعله والغل بضم المعجمة الحديدة تجعل في العنق وهو من صفات أهل النار قال تعالى: ﴿إذ الأغلال في أعناقهم﴾ [غافر: ٧١] (وكان يعجبهم القيد) بلفظ الجمع وبالإفراد في قوله يكره الغل. قال في شرح المشكاة قوله قال
وكان يكره الغل يحتمل أن يكون مقولاً لراوي ابن سيرين فيكون اسم كان ضمير ابن سيرين، وأن يكون مقولاً لابن سيرين فاسمه ضمير لرسول الله ﷺ أو أبي هريرة، وقوله وكان يعجبهم ضمير المعبرين وكذا قوله (ويقال) ولأبي ذر عن الحموي وقال: (القيد) يراه الشخص في رجله (ثبات في الدين) من أقوال المعبرين ولفظ بعضهم القيد ثبات في الأمر الذي يراه الرائي بحسب من يرى ذلك له.
(وروى قتادة) بن دعامة مما وصله مسلم والنسائي من رواية هشام الدستوائي عن أبيه عن قتادة (ويونس) بن عبيد أحد أئمة البصرة فيما وصله البزار في مسنده (وهشام) هو ابن حسان الأزدي فيما وصله الإمام أحمد (وأبو هلال) محمد بن سليم بضم السين الراسبي أربعتهم أصل الحديث (عن ابن سيرين عن أبي هريرة) ﵁ (عن النبي ﷺ وأدرجه) ولأبي ذر عن الحموي والمستملي وأدرج أي جعل (بعضهم كله) أي كل المذكور من قوله الرؤيا ثلاث إلى في الدين (في الحديث) مرفوعًا. قال البخاري: (وحديث عوف) الأعراب) (أبين) أي أظهر حيث فصل المرفوع من الموقوف ولا سيما تصريحه يقول ابن سيرين وأنا أقول هذه فإنه دال على الاختصاص بخلاف ما قال فيه وكان يقال فإن فيها الاحتمال بخلاف أول الحديث فإنه صرح برفعه.
(وقال يونس) بن عبيد (لا أحسبه) أي لا أحسب الذي أدرجه بعضهم (إلا عن النبي ﷺ في القيد) يعني أنه شك في رفعه. قال القرطبي: هذا الحديث وإن اختلف في رفعه ووقفه فإن معناه صحيح لأن القيد في الرجل تثبيته للمقيد في مكانه فإذا رآه من هو على حالة كان ذلك ثبوتًا على تلك الحالة، وأما كراهة الغل فإن محله الأعناق نكالاً وعقوبة وقهرًا وإذلالاً وقد يسحب على وجهه ويجر على قفاه فهو مذموم شرعًا وغالب رؤيته في العنق دليل على وقوع حالة سيئة للرائي تلازمه ولا تنفك عنه وقد يكون ذلك في دينه كواجبات فرّط فيها أو معاص ارتكبها أو حقوق لازمة له لم يوفها أهلها مع قدرته وقد يكون في دنياه لشدة تعتريه أو تلازمه.
(قال أبو عبد الله) البخاري ﵀ ردًّا على من قال كأبي علي القالي وصاحب المحكم: الغل يجعل في العنق أو اليد ويد مغلولة جعلت في العنق (لا تكون الأغلال إلا في الأعناق) وهذا فيه نظر فليتأمل، وقول البخاري هذا ثابت في رواية أبي ذر عن الكشميهني.
٢٧ - باب الْعَيْنِ الْجَارِيَةِ فِى الْمَنَامِ
(باب) رؤية (العين الجارية في المنام).
٧٠١٨ - حَدَّثَنَا عَبْدَانُ، أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللَّهِ، أَخْبَرَنَا مَعْمَرٌ، عَنِ الزُّهْرِىِّ، عَنْ خَارِجَةَ بْنِ زَيْدِ بْنِ ثَابِتٍ عَنْ أُمِّ الْعَلَاءِ وَهْىَ امْرَأَةٌ مِنْ نِسَائِهِمْ بَايَعَتْ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ قَالَتْ: طَارَ لَنَا عُثْمَانُ بْنُ مَظْعُونٍ فِى السُّكْنَى حِينَ اقْتَرَعَتِ الأَنْصَارُ عَلَى سُكْنَى الْمُهَاجِرِينَ، فَاشْتَكَى فَمَرَّضْنَاهُ حَتَّى تُوُفِّىَ،
ثُمَّ جَعَلْنَاهُ فِى أَثْوَابِهِ فَدَخَلَ عَلَيْنَا رَسُولُ اللَّهِ ﷺ فَقُلْتُ: رَحْمَةُ اللَّهِ عَلَيْكَ أَبَا السَّائِبِ فَشَهَادَتِى عَلَيْكَ لَقَدْ أَكْرَمَكَ اللَّهُ قَالَ: «وَمَا يُدْرِيكِ؟» قُلْتُ: لَا أَدْرِى وَاللَّهِ قَالَ: «أَمَّا هُوَ فَقَدْ جَاءَهُ الْيَقِينُ، إِنِّى لأَرْجُو لَهُ الْخَيْرَ مِنَ اللَّهِ، وَاللَّهِ مَا أَدْرِى وَأَنَا رَسُولُ اللَّهِ مَا يُفْعَلُ بِى وَلَا بِكُمْ». قَالَتْ أُمُّ الْعَلَاءِ: فَوَاللَّهِ لَا أُزَكِّى أَحَدًا بَعْدَهُ، قَالَتْ: وَرَأَيْتُ لِعُثْمَانَ فِى النَّوْمِ عَيْنًا تَجْرِى، فَجِئْتُ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ فَذَكَرْتُ ذَلِكَ لَهُ فَقَالَ: «ذَاكِ عَمَلُهُ يَجْرِى لَهُ».
وبه قال: (حدّثنا عبدان) هو لقب عبد الله بن عثمان المروزي قال: (أخبرنا عبد الله) بن المبارك المروزي قال: (أخبرنا معمر) هو ابن راشد الأزدي مولاهم (عن الزهري) محمد بن مسلم (عن خارجة بن زيد بن ثابت) الأنصاري المدني الفقيه (عن أم العلاء) بفتح العين المهملة والهمز بنت الحارث بن ثابت بن خارجة واسمها كنيتها قال الزهري (وهي امرأة من نسائهم) أي من نساء الأنصار (بايعت رسول الله ﷺ) أنها (قالت: طار لنا) أي وقع في سهمنا (عثمان بن مظعون) بالظاء المعجمة الساكنة (في السكنى حين اقترعت الأنصار) ولأبي ذر عن الحموي والمستملي: حين أقرعت الأنصار بإسقاط الفوقية بعد القاف (على سكنى المهاجرين) لما قدموا من مكة إلى المدينة (فاشتكى) أي مرض عثمان بعد أن أقام مدة (فمرّضناه) بتشديد الراء فقمنا بأمره في مرضه (حتى توفي) فغسلناه (ثم جعلناه في أثوابه) أي كفناه فيها (فدخل علينا رسول الله ﷺ فقلت: رحمة الله عليك) يا (أبا السائب) وهي كنية ابن مظعون (فشهادتي عليك) أي لك (لقد أكرمك الله) أي أقسم لقد أكرمك الله (قال) رسول الله ﷺ:
(وما يدريك) بكسر الكاف أي من أين علمت زاد في باب رؤيا النساء أن الله أكرمه (قلت: لا أدري والله. قال) ﷺ: (أما) بتشديد الميم (هو) أي عثمان (فقد جاءه اليقين) أي الموت (أني لأرجو له من الله والله ما أدري وأنا رسول الله ما يفعل بي) ولأبي ذر عن الحموي والمستملي به بالهاء بدل التحتية أي بعثمان (ولا بكم قالت أم العلاء) ﵂ (فوالله لا أزكي أحدًا بعده قالت: ورأيت) ولأبي ذر وابن عساكر وأريت بتقديم الهمزة مضمومة على الراء المكسورة (لعثمان) بن مظعون (في النوم عينًا تجري فجئت رسول الله ﷺ فذكرت ذلك) الذي رأيته (له) ﵊ (فقال: ذاك) بالكسر (عمله) الذي كان عمله في حياته كصدقة جارية (يجري له) ثوابها عد موته، وكان عثمان من الأغنياء فلا يبعد أن يكون له صدقة استمرت بعد موته وقد كان له ولد صالح أيضًا وهو السائب.
والحديث سبق في باب رؤيا النساء وغيره.
٢٨ - باب نَزْعِ الْمَاءِ مِنَ الْبِئْرِ حَتَّى يَرْوَى النَّاسُ
رَوَاهُ أَبُو هُرَيْرَةَ عَنِ النَّبِيِّ ﷺ.
(باب) رؤية (نزع الماء) استخراجه (من البئر) للاستقاء (حتى يروى الناس) بفتح الواو ورفع الناس على الفاعلية (رواه) أي نزع الماء من البئر (أبو هريرة) ﵁ (عن النبي ﷺ) كما يأتي إن شاء الله تعالى في الباب التالي لهذا موصولاً.
٧٠١٩ - حَدَّثَنَا يَعْقُوبُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ بْنِ كَثِيرٍ، حَدَّثَنَا شُعَيْبُ بْنُ حَرْبٍ، حَدَّثَنَا صَخْرُ بْنُ جُوَيْرِيَةَ، حَدَّثَنَا نَافِعٌ أَنَّ ابْنَ عُمَرَ ﵄ حَدَّثَهُ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: «بَيْنَا أَنَا عَلَى بِئْرٍ أَنْزِعُ مِنْهَا، إِذْ جَاءَنِي أَبُو بَكْرٍ وَعُمَرُ فَأَخَذَ أَبُو بَكْرٍ الدَّلْوَ فَنَزَعَ ذَنُوبًا أَوْ ذَنُوبَيْنِ وَفِى نَزْعِهِ ضَعْفٌ فَغَفَرَ اللَّهُ لَهُ، ثُمَّ أَخَذَهَا ابْنُ الْخَطَّابِ مِنْ يَدِ أَبِى بَكْرٍ فَاسْتَحَالَتْ فِى يَدِهِ غَرْبًا فَلَمْ أَرَ عَبْقَرِيًّا مِنَ النَّاسِ يَفْرِى فَرْيَهُ حَتَّى ضَرَبَ النَّاسُ بِعَطَنٍ».
وبه قال: (حدّثنا يعقوب بن إبراهيم بن كثير) الدورقي قال: (حدّثنا شعيب بن حرب) بالحاء المهملة والراء الساكنة المدايني أبو صالح قال: (حدّثنا صخر بن جويرية) بالصاد المهملة المفتوحة بعدها معجمة ساكنة وجويرية بضم الجيم مصغرًا قال: (حدّثنا نافع) مولى ابن عمر (أن ابن عُمر ﵄ حدثه قال: قال رسول الله ﷺ):
(بينا) بغير ميم (أنا على بئر أنزع) أستخرج (منها) الماء بآلة كالدلو (إذ جاءني أبو بكر) الصديق (وعمر) بن الخطاب ﵄ (فأخذ أبو بكر الدلو فنزع) أي استخرج من البئر (ذنوبًا أو ذنوبين) بفتح الذال المعجمة الدلو الممتلئ ماء والشك من الراوي (وفي نزعه ضعف) بفتح الضاد المعجمة وتضم لغتان (فغفر الله له) وليس في قوله ضعف حط من قدره الرفيع وإنما هو إشارة إلى قصر مدة خلافته ولأبي ذر يغفر الله له (ثم أخذها) أي الدلو (عمر بن الخطاب من يد أبي بكر) في قوله من يد أبي بكر إشارة إلى أن عمر يلي الخلافة من أبي بكر بعهد منه بخلاف أبي بكر فلم تكن خلافته بعهد صريح منه ﷺ ولهذا لم يقل من يدي نعم وقعت عدة إشارات إلى ذلك فيها ما يقرب من الصريح وقوله (فاستحالت) أي تحوّلت الدلو (في يده) في يد عمر ﵁ (غربًا) بفتح الغين وسكون الراء بعدها موحدة دلوًا عظيمة متخذة من جلود البقر (فلم أر عبقريًّا) بفتح العين المهملة وسكون الموحدة وفتح القاف بعدها