تعالى: {فإما منًّا بعد وإما فداء حتى تضع الحرب أوزارها} [محمد: ٤] أي (آثامها) أو آلاتها وأثقالها وهو من مجاز الحذف أي حتى تضع أمة الحرب أو فرقة الحرب أوزارها والمراد انقضاء الحرب بالكلية (حتى لا يبقى إلا مسلم) أو مسالم والمعنى حتى يضع أهل الحرب شركهم ومعاصيهم وهو غاية للضرب أو الشدّ أو للمن والفداء أو للمجموع يعني أن هذه الأحكام جارية فيهم حتى لا يكون حرب مع المشركين بزوال شوكتهم وقيل بنزول عيسى وأسند الوضع إلى الحرب لأنه لو أسنده إلى أهله بأن كان يقول حتى تضع أمة الحرب جاز أن يضعوا الأسلحة ويتركوا الحرب وهي باقية كقول القائل:
خصومتي ما انفصلت ولكن ... تركتها في هذه الأيام
({عرفها}) في قوله تعالى: {ويدخلهم الجنة عرّفها لهم} [محمد: ٦] أي (بينها) لهم وعرفهم منازلها بحيث يعلم كل واحد منهم منزله ويهتدي إليه كأنه كان ساكنة منذ خلق أو طيبها لهم من العرف وهو طيب الرائحة.
(وقال مجاهد) مما وصله الطبري ({مولى الذين آمنوا}) [محمد: ١١] أي (وليهم) وسقط هذا لأبي ذر.
(عزم الأمر) قاله مجاهد فيما وصله الفريابي (جد الأمر) ولأبي ذر فإذا عزم الأمر أي جد الأمر وهو على سبيل الإسناد المجازي كقوله:
قد جدت الحرب فجدوا
أو على حذف مضاف أي عزم أهل الأمر والمعنى إذا جد الأمر ولزم فرض القتال خالفوا
وتخلفوا ({فلا تهنوا}) أي (لا تضعفوا) بعد ما وجد السبب وهو الأمر بالجد والاجتهاد في القتال.
(وقال ابن عباس) فيما وصله ابن أبي حاتم (أضغانهم) في قوله تعالى: {أم حسب الذين في قلوبهم مرض} [محمد: ٢٩] أن لن يخرج الله أضعانهم أي (حسدهم) بالحاء المهملة وقيل بغضهم وعدوانهم.
({آسن}) في قوله: {فيها أنهار من ماء غير آسن} [محمد: ١٥] أي (متغير) طعمه وسقط هذا لأبي ذر.
١ - باب {وَتُقَطِّعُوا أَرْحَامَكُمْ}
هذا (باب) بالتنوين أي في قوله تعالى: ({وتقطعوا أرحامكم}) [محمد: ٢٢] بتشديد الطاء المكسورة على التكثير ويعقوب بفتح التاء وسكون القاف وفتح الطاء مخففة مضارع قطع وسقط لفظ باب لغير أبي ذر.
٤٨٣٠ - حَدَّثَنَا خَالِدُ بْنُ مَخْلَدٍ، حَدَّثَنَا سُلَيْمَانُ، حَدَّثَنِي مُعَاوِيَةُ بْنُ أَبِي مُزَرَّدٍ عَنْ سَعِيدِ بْنِ يَسَارٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ -رضي الله عنه- عَنِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ: «خَلَقَ اللَّهُ الْخَلْقَ، فَلَمَّا فَرَغَ مِنْهُ قَامَتِ الرَّحِمُ فَأَخَذَتْ بِحَقْوِ الرَّحْمَنِ، فَقَالَ لَهُ: مَهْ قَالَتْ: هَذَا مَقَامُ الْعَائِذِ بِكَ مِنَ الْقَطِيعَةِ. قَالَ: أَلَا تَرْضَيْنَ أَنْ أَصِلَ مَنْ وَصَلَكِ وَأَقْطَعَ مَنْ قَطَعَكِ؟ قَالَتْ: بَلَى يَا رَبِّ، قَالَ: فَذَاكِ» قَالَ أَبُو هُرَيْرَةَ: اقْرَءُوا إِنْ شِئْتُمْ {فَهَلْ عَسَيْتُمْ إِنْ تَوَلَّيْتُمْ أَنْ تُفْسِدُوا فِي الأَرْضِ وَتُقَطِّعُوا أَرْحَامَكُمْ}. [الحديث ٤٨٣٠ - أطرافه في: ٤٨٣١، ٤٨٣٢، ٥٩٨٧، ٧٥٠٢].
وبه قال: (حدّثنا خالد بن مخلد) بفتح الميم واللام بينهما خاء معجمة ساكنة الكوفي قال: (حدّثنا سليمان) بن بلال قال: (حدّثني) بالإفراد (معاوية بن أبي مزرد) بضم الميم وفتح الزاي وكسر الراء وفي اليونينية بفتحها مشددة بعدها دال مهملة اسمه عبد الرحمن بن يسار بالتحتية والمهملة المخففة (عن) عمه (سعيد بن يسار عن أبي هريرة -رضي الله عنه- عن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) أنه (قال):
(خلق الله الخلق فلما فرغ منه) أي قضاه أو أتمه أو نحو ذلك مما يشهد بأنه مجاز من القول فإنه سبحانه وتعالى لن يشغله شأن عن شأن (قامت الرحم) حقيقة بأن تجسمت (فأخذت بحقو الرحمن) بفتح الحاء المهملة وفي اليونينية بكسرها وكذا في الفرع مصلحة وكشط فوقها، وعند الطبري بحقوي الرحمن بالتثنية والحقو الإزار والخصر ومشدّ الإزار.
قال البيضاوي: لما كان من عادة المستجير أن يأخذ بذيل المستجار به أو بطرف ردائه وإزاره وربما أخذ بحقو إزاره مبالغة في الاستجارة فكأنه يشير به إلى أن المطلوب أن يحرسه ويذبّ عنه ما يؤذيه كما يحرس ما تحت إزاره ويذب عنه فإنه لاصق به لا ينفك عنه استعير ذلك للرحم.
وقال الطيبي: وهذا مبني على الاستعارة التمثيلية التي الوجه فيها منتزع من أمور متوهمة للمشبه المعقول وذلك أنه شبّه حالة الرحم وما هي عليه من الافتقار إلى الصلة والذبّ عنها من القطيعة بحال مستجير يأخذ بذيل المستجار به وحقو إزاره ثم أدخل صورة حال المشبه في جنس المشبه به واستعمل في حال المشبه ما كان مستعملًا في المشبه به من الألفاظ بدلائل قرائن الأحوال، ويجوز أن تكون مكنية بأن يشبه الرحم بإنسان مستجير بمن يحميه ويحرسه ويذبّ عنه ما يؤذيه ثم أسند على سبيل الاستعارة التخييلية ما هو لازم المشبه به من القيام ليكون قرينة مانعة من إرادة الحقيقة ثم رشحت الاستعارة بأخذ الحقو والقول وقوله بحقو الرحمن