من حديث أبي قتادة قال: خطب النبي ﷺ فذكر الجهاد وفضله على سائر الأعمال إلا المكتوبة، فإنه يحتمل أن يكون ذلك قبل وجوب الصوم، وأما قول إمام الحرمين وجماعة: إن فرض الكفاية أفضل من فرض العين فمخالف لنص الشافعي فلا يعوّل عليه، وقد قال ﵊ للرجل الذي
سأله عن أفضل الأعمال: عليك بالصوم فإنه لا مثل له. زاد الإمام أحمد عن إسحاق بن الطباع عن مالك يقول الله تعالى:
(يترك) الصائم (طعامه وشرابه وشهوته) أي شهوة الجماع لعطفها على الطعام والشراب أو من عطف العام على الخاص لكن وقع عند ابن خزيمة ويدع زوجته من أجلي فهو صريح في الأول وأصرح منه ما وقع عند الحافظ سمويه من الطعام والشراب والجماع (من أجلي. الصيام لي) من بين سائر الأعمال ليس للصائم فيه حظ أو لم يتعبد به أحد غيري أو هو سرّ بيني وبين عبدي يفعله خالصًا لوجهي وفي الموطأ فالصيام بفاء السببية أي بسبب كونه لي أنه يترك شهوته لأجلي أو أن فيه صفة الصمدانية وهي التنزيه عن الغذاء (وأنا أجزي) صاحبه (به) وقد علم أن الكريم إذا تولى الإعطاء بنفسه كان في ذلك شارة إلى تعظيم ذلك العطاء وتفخيمه ففيه مضاعفة الجزاء من غير عدد ولا حساب (و) سائر الأعمال (الحسنة بعشر أمثالها) زاد في رواية في الموطأ إلى سبعمائة ضعف، واتفقوا على أن المراد بالصائم هنا من سلم صيامه من المعاصي وحديث الغيبة تفطر الصائم على ما في الإحياء. قال العراقي ضعيف بل قال أبو حاتم كذب، نعم يأثم ويمنع ثوابه إجماعًا ذكره السبكي في شرح وفيه نظر لمشقة الاحتراز لكن إن توجهت المقالة لا نصحًا وتظلمًا ونحوهما لحاكم ونحوه، وأدنى درجات الصوم الاقتصار على الكف عن المفطرات، وأوسطها أن يضم إليه كف الجوارح عن الجرائم، وأعلاها أن يضم إليهما كف القلب عن الوساوس.
وقال بعضهم: معناه الصوم ليس لا لك أي أنا الذي لا ينبغي لي أن أطعم وأشرب وإذا كان بهذه المثابة وكان دخولك فيه كوني شرعته لك فأنا أجري به كأنه يقول: أنا جزاؤه لأن صفة التنزيه عن الطعام والشراب تطلبي وقد تلبست بها وليست لك لكنك اتصفت بها في حال صومك فهي تدخلك عليّ فإن الصبر حبس النفس وقد حبستها بأمري عما تعطيه حقيقتها من الطعام والشراب، فلهذا قال: للصائم فرحتان عند فطره وتلك الفرحة لروحه الحيواني لا غير، وفرحة عند لقاء ربه وتلك الفرحة لنفسه الناطقة الطبيعية الربانية فأورثه الصوم لقاء الله وهو المشاهدة.
وهذا الحديث أخرجه أبو داود وكذا النسائي والترمذي.
٣ - باب الصَّوْمُ كَفَّارَةٌ
هذا (باب) بالتنوين (الصوم كفارة).
١٨٩٥ - حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ حَدَّثَنَا سُفْيَانُ حَدَّثَنَا جَامِعٌ عَنْ أَبِي وَائِلٍ عَنْ حُذَيْفَةَ قَالَ: "قَالَ عُمَرُ ﵁: مَنْ يَحْفَظُ حَدِيثًا عَنِ النَّبِيِّ ﷺ فِي الْفِتْنَةِ؟ قَالَ حُذَيْفَةُ: أَنَا سَمِعْتُهُ يَقُولُ: فِتْنَةُ الرَّجُلِ فِي أَهْلِهِ وَمَالِهِ وَجَارِهِ تُكَفِّرُهَا الصَّلَاةُ وَالصِّيَامُ وَالصَّدَقَةُ. قَالَ: لَيْسَ أَسْأَلُ عَنْ هذِهِ، إِنَّمَا أَسْأَلُ عَنِ الَّتِي تَمُوجُ كَمَا يَمُوجُ الْبَحْرُ قَالَ حُذَيْفَةُ: وَإِنَّ دُونَ ذَلِكَ بَابًا مُغْلَقًا. قَالَ: فَيُفْتَحُ أَوْ
يُكْسَرُ؟ قَالَ: يُكْسَرُ. قَالَ: ذَاكَ أَجْدَرُ أَنْ لَا يُغْلَقَ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ. فَقُلْنَا لِمَسْرُوقٍ: سَلْهُ، أَكَانَ عُمَرُ يَعْلَمُ مَنِ الْبَابُ؟ فَسَأَلَهُ فَقَالَ: نَعَمْ، كَمَا يَعْلَمُ أَنَّ دُونَ غَدٍ اللَّيْلَةَ".
وبالسند قال: (حدّثنا عليّ بن عبد الله) المديني قال: (حدّثنا سفيان) بن عيينة قال: (حدّثنا جامع) هو ابن راشد الصيرفي الكوفي (عن أبي وائل) بالهمز شقيق ابن سلمة (عن حذيفة) بن اليماني أنه (قال: قال عمر) بن الخطاب (﵁: من يحفظ حديثًا عن النبي) ولأبي الوقت: من يحفظ حديث النبي (ﷺ في الفتنة) المخصوصة (قال: حذيفة أنا سمعته) ﷺ (يقول):
(فتنة الرجل في أهله) بأن يأتي بسببهم بغير جائز (وماله) بأن يأخذه من غير حله ويصرفه في غير مصرفه، وزاد في باب الصلاة وولده (وجاره) بأن يتمنى سعة كسعته كلها (تكفرها الصلاة والصيام والصدقة). وهذا موضع الترجمة.
قال في الفتح وقد يقال هذا لا يعارضه ما عند أحمد من طريق حماد بن سلمة عن محمد بن زياد عن أبي هريرة رفعه: كل العمل كفارة إلا الصوم الصوم لي وأنا أجزي به، لأنه يحمل في الإثبات على كفارة شيء مخصوص وفي النفي على كفارة شيء آخر، وقد حمله المصنف في موضع آخر على تكفير مطلق الخطيئة فقال في الزكاة باب الصدقة تكفر الخطيئة، ثم أورد هذا الحديث بعينه، ويؤيد الإطلاق ما ثبت عند مسلم من حديث أبي هريرة أيضًا مرفوعًا: الصلوات الخمس ورمضان إلى رمضان مكفرات ما بينهن ما اجتنبت الكبائر، ولابن حبان في صحيحه من حديث أبي سعيد مرفوعًا: من صام رمضان وعرف حدوده كفر ما قبله وعلى