والسجود وإن تمسك بالحقيقة اللغوية عارضته الشرائط المذكورة، ولم يستو التبادر في الإطلاق، فيدعي الاشتراك لتوقف الإطلاق على القيد عند إرادة الجنازة، بخلاف ذات الركوع والسجود فتعين الحمل على المجاز. انتهى.
وأجيب بأن المؤلّف لم يستدل على مطلوبه بمجرد تسميتها صلاة، بل بذلك، وبما انضم إليه من وجود جميع الشرائط إلا الركوع، والسجود. وقد سبق ذكر حكمة حذفهما منها، فبقي ما عداهما على الأصل.
١٣٢٢ - حَدَّثَنَا سُلَيْمَانُ بْنُ حَرْبٍ حَدَّثَنَا شُعْبَةُ عَنِ الشَّيْبَانِيِّ عَنِ الشَّعْبِيِّ قَالَ: "أَخْبَرَنِي مَنْ مَرَّ مَعَ نَبِيِّكُمْ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- عَلَى قَبْرٍ مَنْبُوذٍ فَأَمَّنَا فَصَفَفْنَا خَلْفَهُ. فَقُلْنَا: يَا أَبَا عَمْرٍو مَنْ حَدَّثَكَ؟ قَالَ: ابْنُ عَبَّاسٍ رضي الله عنهما".
وبالسند قال: (حدثنا سليمان بن حرب) الواشحي البصري قاضي مكة (قال: حدّثنا شعبة) بن الحجاج (عن الشيباني) سليمان الكوفي (عن الشعبي) عامر بن شراحيل (قال):
(أخبرني) بالإفراد (من مر مع نبيكم، -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) من أصحابه، رضي الله عنهم، ممن لم يتسم (على قبر منبوذ) بالذال المعجمة، وتنوين قبر، و: منبوذ، صفة له. أي: قبر منفرد عن القبور، ولأبي ذر:
قبر منبوذ بإضافة قبر لتاليه، أي: دفن فيه لقيط (فأمنا فصففنا) بفاءين (خلفه) وهذا موضع الترجمة. لأن الإمامة وتسوية الصفوف من سنة صلاة الجنازة.
قال الشيباني (فقلنا) للشعبي: (يا أبا عمرو) بفتح العين (من) ولأبي ذر: ومن (حدثك) بهذا؟ (قال) حدثني: (ابن عباس رضي الله عنهما).
فيه رد على من جوّز صلاة الجنازة بغير طهارة معللاً بأنها إنما هي دعاء للميت واستغفار، لأنه لو كان المراد الدعاء وحده لما أخرجهم النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- إلى البقيع، ولدعا في المسجد، وأمرهم بالدعاء معه أو التأمين على دعائه، ولما صفهم خلفه كما يصنع في الصلاة المفروضة والمسنونة، وكذا وقوفه في الصلاة، وتكبيره في افتتاحها، وتسليمه في التحلل منها، كل ذلك دال على أنها على الأبدان لا على اللسان وحده، قاله ابن رشيد، نقلاً عن ابن المرابط، كما أفاده في فتح الباري.
٥٨ - باب فَضْلِ اتِّبَاعِ الْجَنَائِزِ. وَقَالَ زَيْدُ بْنُ ثَابِتٍ -رضي الله عنه-: إِذَا صَلَّيْتَ فَقَدْ قَضَيْتَ الَّذِي عَلَيْكَ. وَقَالَ حُمَيْدُ بْنُ هِلَالٍ: مَا عَلِمْنَا عَلَى الْجَنَازَةِ إِذْنًا، وَلَكِنْ مَنْ صَلَّى ثُمَّ رَجَعَ فَلَهُ قِيرَاطٌ
(باب فضل اتباع الجنائز) أي: مع الصلاة عليها، لأن الاتباع وسيلة للصلاة كالدفن، فإذا تجردت الوسيلة عن المقصد لم يحصل المرتب على المقصود، نعم يرجى لفاعل ذلك حصول فضل ما بحسب نيته.
(وقال زيد بن ثابت) الأنصاري، كاتب الوحي المتوفى سنة خمس وأربعين بالمدينة (رضي الله عنه) مما وصله سعيد بن منصور وابن أبي شيبة: (إذا صليت) على الجنازة (فقد قضيت الذي عليك) من حق الميت من الاتباع، فإن زدت الاتباع إلى الدفن زيد لك في الأجر، ومن لازم الصلاة اتباع الجنازة غالبًا، فحصلت المطابقة.
(وقال حميد بن هلال) بضم الحاء المهملة، البصري التابعي، مما قال الحافظ ابن حجر: إنه لم يره موصولاً عنه: (ما علمنا على الجنازة إذنًا) يلتمس من أوليائها للانصراف بعد الصلاة (ولكن من صلّى ثم رجع فله قيراط). فلا يفتقر إلى الإذن، وهذا مذهب الشافعي والجمهور، وقال قوم: لا ينصرف إلا بإذن، وروي عن عمر، وابنه، وأبي هريرة، وابن مسعود، والمسور بن مخرمة، والنخعي، وحكي عن مالك.
١٣٢٣ - حَدَّثَنَا أَبُو النُّعْمَانِ حَدَّثَنَا جَرِيرُ بْنُ حَازِمٍ قَالَ: سَمِعْتُ نَافِعًا يَقُولُ: حُدِّثَ ابْنُ عُمَرَ أَنَّ أَبَا هُرَيْرَةَ -رضي الله عنهم- يَقُولُ: مَنْ تَبِعَ جَنَازَةً فَلَهُ قِيرَاطٌ، فَقَالَك أَكْثَرَ أَبُو هُرَيْرَةَ عَلَيْنَا.
وبالسند قال: (حدّثنا أبو النعمان) محمد بن الفضل السدوسي، قال: (حدّثنا جرير بن حازم) بفتح الجيم في الأول، وبالحاء المهملة. والزاي في الثاني (قال: سمعت نافعًا) مولى ابن عمر (يقول: حدث ابن عمر) بن الخطاب، بضم الحاء المهملة، وكسر الدال (أن أبا هريرة رضي الله عنهم، يقول:) ووقع في مسلم تسمية من حدث ابن عمر بذلك، عن أبي هريرة، ولفظه: من طريق داود بن عامر بن سعد، عن أبيه، أنه كان قاعدًا عند عبد الله بن عمر، إذ طلع خباب، صاحب المقصورة، فقال: يا عبد الله بن عمر، ألا تسمع ما يقول أبو هريرة ... فذكره. موقوفًا. لم يذكر النبي، -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، كما هنا، وهو كذلك في جميع الطرق، لكن رواه أبو عوانة في صحيحه. فقال: قيل لابن عمر: إن أبا هريرة يقول: سمعت رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يقول:
(من تبع جنازة) وصلّى عليها (فله قيراط) من الأجر المتعلق بالميت، من: تجهيزه، وغسله، ودفنه، والتعزية به، وحمل الطعام، إلى أهله، وجميع ما يتعلق به، وليس المراد جنس الأجر. لأنه يدخل فيه ثواب الإيمان والأعمال: كالصلاة، والحج، وغيره. وليس في صلاة الجنازة ما يبلغ ذلك، وحينئذ فلم يبق إلا أن يرجع إلى المعهود، وهو الأجر العائد على الميت. قاله أبو الوفاء بن عقيل.
ويؤيده