تستغني بمرفوعها والمعنى قاربت الصبح على حد قوله تعالى:{فإذا بلغن أجلهن} أي آخر عدّتهن والأجل يطلق للمدة ولمنتهاها، والبلوغ هو الوصول إلى الشيء وقد يقال: للدنوّ منه وهو المراد في الآية ليصح أن يترتب عليه قوله {فأمسكوهن بمعروف} إذ لا إمساك بعد انقضاء الأجل وحينئذٍ فليس المراد من الحديث ظاهره وهو الإعلام بظهور الفجر بل التحذير من طلوعه والتحضيض له على النداء خيفة ظهوره وإلا لزِم جواز الأكل بعد طلوع الفجر لأنه جعل أذانه غاية للأكل نعم يعكر عليه قوله أن بلالاً يؤذن بليل فإن فيه إشعارًا بأن ابن أم مكتوم بخلافه وأيضًا وقع عند المؤلّف في الصيام من قوله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: حتى يؤذن ابن أم مكتوم فإنه لا يؤذن حتى يطلع الفجر وأجيب بأن أذانه جعل علامة لتحريم الأكل وكأنه كان له من يراعي الوقت بحيث يكون أذانه مقارنًا لابتداء طلوع الفجر وفي هذا الحديث مشروعية الأذان قبل الوقت في الصبح وهل يكتفي به عن الأذان بعد الفجر أم لا ذهب إلى الأوّل الشافعي ومالك وأحمد وأصحابهم وروى الشافعي في القديم عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه أنه قال عجلوا الأذان بالصبح يدلج المدلج وتخرج العاهرة وصحّح في الروضة أن وقته من أوّل نصف الليل الآخر لأن صلاته تدرك الناس وهم نيام فيحتاجون إلى التأهّب لها وهذا مذهب أبي يوسف وابن حبيب من المالكية لكن يعكر على هذا قول القاسم بن محمد المروي عند المؤلّف في الصيام لم يكن بين أذانهما أي بلال وابن أم مكتوم إلاّ أن يرقى ذا وينزل ذا وهو مروي عند النسائي من قوله في روايته عن عائشة وهو ينفي كونه مرسلاً ويقيد إطلاق قوله إن بلالاً يؤذن بليل ومن ثم اختاره السبكي في شرح المنهاج وحكي تصحيحه عن القاضي حسين والمتولي قال وقطع به البغوي وهو أن الوقت الذي يؤذن فيه قبل الفجر هو وقت السحر وهو كما قال في القاموس قبيل الصبح، وقال الإمام أبو حنيفة ومحمد لا يجوز تقديمه على الفجر وإن قدم يعاد في الوقت لأنه عليه الصلاة والسلام قال لمن أذن قبل الوقت لا تؤذن حتى ترى
الفجر والمشهور عند المالكية جوازه من السدس الأخير من الليل ونقل الماوردي أنه يؤذن لها إذا صليت العشاء وبقية مباحث الحديث تأتي في محالها إن شاء الله تعالى.
وبالسند قال (حدّثنا عبد الله بن يوسف) التنيسي قال (أخبرنا مالك) إمام دار الهجرة (عن نافع) مولى ابن عمر (عن عبد الله بن عمر) بن الخطاب رضي الله عنهما (قال: أخبرتني حفصة) أم المؤمنين (أن رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- كان إذا اعتكف المؤذن للصبح) أي جلس ينتظر الصبح لكي يؤذن أو انتصب قائمًا للأذان كأنه من ملازمة مراقبة الفجر وهذا رواية الأصيلي والقابسي وأبي ذر فيما نقل عن ابن قرقول وهي التي نقلها جمهور رواة البخاري عنه ورواية عبد الله بن يوسف عن مالك أيضًا خلافًا لسائر رواة الموطأ حيث رووه بلفظ كان إذا سكت المؤذن من الأذان لصلاة الصبح قال الحافظ ابن حجر: وهو الصواب، ولأبي الوقت والأصيلي إذا اعتكف وأذن بواو العطف على سابقه والضمير هنا في اعتكف عائد على النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- واستشكل لأنه يلزم منه أن يكون صنعه لذلك مختصًّا بحال اعتكافه وليس كذلك وأجيب بمنع الملازمة لاحتمال أن حفصة راوية الحديث شاهدته عليه الصلاة والسلام في ذلك الوقت معتكفًا ولا يلزم منه مداومته ولابن عساكر إذا اعتكف أذّن بإسقاط الواو ولأبي ذر وعزاها العيني كابن حجر للهمداني كان إذا أذن بدل قوله: اعتكف (وبدا) بالموحدة من غير همز ظهر (الصبح) والواو للحال (صلّى) عليه الصلاة والسلام (ركعتين خفيفتين) سنة الصبح (قبل أن تقام الصلاة) بضم المثناة الفوقية من تقام أي قيام صلاة فرض الصبح وجواب إذا قوله صلّى ركعتين.
ورواة هذا الحديث الخمسة مدنيون إلاّ عبد الله بن يوسف فيه التحديث والإخبار والعنعنه وأخرجه مسلم والترمذي والنسائي وابن ماجة.