بتشديد الموحدة من التلبيد وهو جعل شيء نحو الصمغ في الشعر ليجتمع ويلتصق بعضه ببعض احترازًا عن تمعطه وتقمله، لكن تلبيد النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- كان بالعسل كما في رواية أبي داود وكان عند إهلاله كما في الصحيحين (وقلدت هديي فلا) بالفاء، ولأبي ذر وابن عساكر: ولا (أحل) من إحرامي أي لا يحل شيء مما حرم عليّ (حتى أحل من الحج) وليس العلة في ذلك سوق الهدي وتقليده بل إدخال الحج على العمرة خلافًا للحنفية حيث جعلوا العلة في بقائه على إحرامه الهدي كما سبق تقريره.
ومطابقة الحديث للترجمة من جهة أن الهدي يتناول البقر والبدن جميعًا كما سبق وهمزة أحل مفتوحة في الموضعين من الثلاثي ويجوز الضم من الرباعي لغتان كقوله: تحل. والفتح أوفق لقولها: وقال: لبدت رأسي وقلدت هديي وإن كان أجنبيًا من الحل وعدمه لبيان أنه من أوّل الأمر مستعد لدوام إحرامه حتى يبلغ الهدي محله والتلبيد مشعر بمدة طويلة أو ذكر لبيان الواقع أو للتأكيد، وفيه: أنه -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- كان قارنًا، ولم يقع في الحديث ذكر فتل القلائد المذكور في الترجمة، فقيل: لأن التقليد لا بد له من الفتل ورد بأن القلادة أعم من أن تكون من شيء يفتل أو من شيء لا يفتل فلا تلازم.
١٦٩٨ - حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ يُوسُفَ حَدَّثَنَا اللَّيْثُ حَدَّثَنَا ابْنُ شِهَابٍ عَنْ عُرْوَةَ وَعَنْ عَمْرَةَ بِنْتِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ أَنَّ عَائِشَةَ -رضي الله عنها- قَالَتْ "كَانَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يُهْدِي مِنَ الْمَدِينَةِ، فَأَفْتِلُ قَلَائِدَ هَدْيِهِ، ثُمَّ لَا يَجْتَنِبُ شَيْئًا مِمَّا يَجْتَنِبُهُ الْمُحْرِمُ".
وبه قال: (حدّثنا عبد الله بن يوسف) التنيسي قال: (حدّثنا الليث) بن سعد الإمام قال: (حدّثنا) بالجمع، ولأبي الوقت: حدثني (ابن شهاب) الزهري (عن عروة) بن الزبير (وعن عمرة بنت عبد الرحمن) بن سعد بن زرارة الأنصارية المدنية (أن عائشة -رضي الله عنها- قالت):
(كان رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يهدي) بضم أوله (من المدينة) أي يبعث بالهدي منها (فأفتل قلائد هديه ثم لا يجتنب) عليه الصلاة والسلام (شيئًا مما يجتنبه المحرم) من محظورات الإحرام لأنه كان حينئذٍ لا يحرم، ولأبوي ذر والوقت: يجتنب بإسقاط الضمير.
وفي الحديث أن من أرسل الهدي إلى مكة لا يصير بذلك محرمًا ولا يحرم عليه شيء مما يحرم على المحرم، وهذا مذهب كافة العلماء خلافًا لما روي عن ابن عباس وابن عمر وعطاء وسعيد بن جبير من اجتنابه ما يجتنبه المحرم ولا يصير محرمًا من غير نيّة الإحرام.
١٠٨ - باب إِشْعَارِ الْبُدْنِ
وَقَالَ عُرْوَةُ عَنِ الْمِسْوَرِ -رضي الله عنه- "قَلَّدَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- الْهَدْيَ وَأَشْعَرَهُ وَأَحْرَمَ بِالْعُمْرَةِ".
(باب إشعار البدن) وقد سبق ما فيه وإنما ذكره المؤلّف لزيادة فرائد الفوائد متنًا وإسنادًا. (وقال عروة) بن الزبير فيما سبق موصولاً (عن المسور) بن مخرمة (-رضي الله عنه-: قلد النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- الهدي وأشعره) زمن الحديبية (وأحرم بالعمرة).
١٦٩٩ - حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مَسْلَمَةَ حَدَّثَنَا أَفْلَحُ بْنُ حُمَيْدٍ عَنِ الْقَاسِمِ عَنْ عَائِشَةَ -رضي الله عنها- قَالَتْ "فَتَلْتُ قَلَائِدَ هَدْيِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، ثُمَّ أَشْعَرَهَا وَقَلَّدَهَا -أَوْ قَلَّدْتُهَا- ثُمَّ بَعَثَ بِهَا إِلَى الْبَيْتِ وَأَقَامَ بِالْمَدِينَةِ فَمَا حَرُمَ عَلَيْهِ شَىْءٌ كَانَ لَهُ حِلٌّ".
وبالسند قال: (حدّثنا عبد الله بن مسلمة) القعنبي قال: (حدّثنا أفلح بن حميد) الأنصاري المدني (عن القاسم) بن محمد بن أبي بكر الصديق (عن عائشة -رضي الله عنها-) أنها (قالت):
(فتلت قلائد هدي النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- ثم أشعرها) أي البدن (وقلدها) هو عليه الصلاة والسلام- (أو قلدتها) - بالشك من الراوي وعليه تجوز الاستنابة في التقليد (ثم بعث) عليه الصلاة والسلام (بها) أي بالبدن مع أبي بكر الصديق كما سيأتي قريبًا إن شاء الله تعالى (إلى البيت) الحرام (وأقام) عليه الصلاة والسلام (بالمدينة) حلالاً (فما حرم عليه شيء) من محورات الإحرام (كان له حل) أي حلال، والجملة في موضع رفع صفة لقوله شيء وهو رفع بقوله فما حرم بضم الراء.
١٠٩ - باب مَنْ قَلَّدَ الْقَلَائِدَ بِيَدِهِ
(باب من قلد القلاتد بيده) على الهدايا من غير أن يستنيب.
١٧٠٠ - حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ يُوسُفَ أَخْبَرَنَا مَالِكٌ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي بَكْرِ بْنِ عَمْرِو بْنِ حَزْمٍ عَنْ عَمْرَةَ بِنْتِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ أَنَّهَا أَخْبَرَتْهُ "أَنَّ زِيَادَ بْنَ أَبِي سُفْيَانَ كَتَبَ إِلَى عَائِشَةَ -رضي الله عنها- إِنَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عَبَّاسٍ -رضي الله عنهما- قَالَ: مَنْ أَهْدَى هَدْيًا حَرُمَ عَلَيْهِ مَا يَحْرُمُ عَلَى الْحَاجِّ حَتَّى يُنْحَرَ هَدْيُهُ. قَالَتْ عَمْرَةُ: فَقَالَتْ عَائِشَةُ -رضي الله عنها-: لَيْسَ كَمَا قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ، أَنَا فَتَلْتُ قَلَائِدَ هَدْيِ رَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بِيَدَىَّ، ثُمَّ قَلَّدَهَا رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بِيَدَيْهِ، ثُمَّ بَعَثَ بِهَا مَعَ أَبِي، فَلَمْ يَحْرُمْ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- شَىْءٌ أَحَلَّهُ اللَّهُ حَتَّى نُحِرَ الْهَدْيُ".
وبالسند قال (حدّثنا عبد الله بن يوسف) التنيسي قال: (أخبرنا مالك) الإمام (عن عبد الله بن أبي بكر بن عمرو بن حزم) بفتح الحاء المهملة وسكون الزاي وعمرو بفتح العين وهو ساقط لأبي ذر (عن) خالته (عمرة بنت عبد الرحمن) الأنصارية (أنها أخبرته أن زياد بن أبي سفيان) هو الذي استلحقه معاوية، وإنما كان يقال له زياد بن أبيه أو ابن عبيد لأن أمه سمية مولاة الحرث بن كلدة ولدته على فراش عبيد، فلما كان في خلافة معاوية شهد جماعة على إقرار أبي سفيان بأن زيادًا ولده فاستلحقه معاوية لذلك وأمره على العراقين. (كتب إلى عائشة -رضي الله عنها- أن
عبد الله بن عباس -رضي الله عنهما-) بكسر همزة أن في الفرع وفي غيره بالفتح (قال: من أهدى)