عز وجل على أمتي خمسين صلاة (فرجعت فمررت على موسى فقال: بما) ولأبي ذر بم (أمرت؟) بضم الهمزة مبنيًّا للمفعول (قال) نبينا -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: قلت له: (أمرت بخمسين صلاة كل يوم) وليلة (قال) موسى عليه السلام: (إن أمتك لا تستطيع) أن تصلي (خمسين صلاة كل يوم) وليلة (وإني والله قد جربت الناس قبلك وعالجت بني إسرائيل أشد المعالجة فارجع إلى ربك فاسأله التخفيف لأمتك) قال عليه الصلاة والسلام: (فرجعت) إلى ربي (فوضع عني عشرًا) من الخمسين (فرجعت إلى موسى) فأخبرته (فقال: مثله) إن أمتك لا تستطيع الخ (فرجعت فوضع عني عشرًا) من الأربعين (فرجعت إلى موسى)(فقال: مثله)(فرجعت فوضع عني عشرًا) من الثلاثين (فرجعت إلى موسى)(فقال: مثله)(فرجعت فأمرت بعشر صلوات) بالإضافة وفي اليونينية بعشر بالتنوين (كل يوم) وليلة (فرجعت) إلى موسى سقط لفظ فرجعت لأبي ذر وإلى موسى للكل (فقال) موسى: (مثله فرجعت فأمرت بخمس صلوات كل يوم) وليلة (فرجعت إلى موسى فقال: بما) بألف بعد الميم ولأبي ذر بم (أمرت؟ قلت)(أمرت بخمس
صلوات كل يوم) (قال: إن أمتك لا تستطيع خمس صلوات كل يوم وإني قد جربت الناس قبلك وعالجت بني إسرائيل أشد المعالجة فارجع إلى ربك فاسأله التخفيف لأمتك قال): عليه الصلاة والسلام فقلت له: (سألت ربي حتى استحييت) فلا أرجع فإني إن رجعت صرت غير راض ولا مسلم (ولكن) ولأبي ذر عن الكشميهني: ولكني (أرضى وأسلم)(قال) عليه الصلاة والسلام: (فلما جاوزت ناداني مناد) والذي في اليونينية نادى مناد (أمضيت فريضتي وخففت عن عبادي) وهذا من أقوى ما يستدل به على أنه -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- كلمه ربه ليلة الإسراء بغير واسطة كما قاله في الفتح.
وبه قال:(حدّثنا الحميدي) عبد الله بن الزبير قال: (حدّثنا سفيان) بن عيينة قال: (حدّثنا عمرو) بفتح العين ابن دينار (عن عكرمة) مولى ابن عباس -رضي الله عنهما- (عن ابن عباس -رضي الله عنهما- في) تفسير (قوله تعالى: {وما جعلنا الرؤيا التي أريناك إلا فتنة للناس}[الإسراء: ٦٠] قال: هي رؤيا عين أريها رسول الله) ولأبي ذر النبي (-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- ليلة أسري به إلى بيت المقدس) وبذلك تمسك من قال: كان الإسراء في المنام، ومن قال: كان في اليقظة فسر الرؤيا بالرؤية من قوله أريها ليلة أسري به، والإسراء إنما كان في اليقظة لأنه لو كان منامًا ما كذبته قريش فيه وإذا كان ذلك في اليقظة، وكان المعراج في تلك الليلة لزم أن يكون في اليقظة أيضًا إذ لم يقل أحد أنه نام لما وصل إلى بيت المقدس ثم عرج به وهو نائم وإنما كان في اليقظة فإضافة الرؤيا إلى العين للاحتراز عن رؤيا القلب (قال) ابن عباس -رضي الله عنهما-: (والشجرة الملعونة في القرآن قال: هي شجرة الزقوم) واختاره ابن جرير قال: لإجماع الحجة من أهل التأويل على ذلك أي في الرؤيا والشجرة.
فإن قلت: ليس في القرآن ذكر لعن شجرة الزقوم. أجيب: بأن المعنى والشجرة الملعون آكلوها وهم الكفار لأنه قال: {فإنهم لآكلون منها فمالؤون منها البطون}[الصافات: ٦٦] فوصفت بلعن أهلها على المجاز ولأن العرب تقول: لكل طعام مكروه وضار ملعون ولأن اللعن هو الإبعاد من الرحمة وهي في أصل الجحيم في أبعد مكان من الرحمة.
(باب وفود الأنصار) الأوس والخزرج (إلى النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بمكة وبيعة العقبة) بمنى في الموسم، وكان -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يعرض نفسه على القبائل كل موسم فلقي عند العقبة ستة نفر من الخزرج وهم: أبو أمامة أسعد بن زرارة، وعوف بن الحرث بن رفاعة وهو ابن عفراء، ورافع بن مالك العجلاني،
وقطبة بن عامر بن حديدة، وعقبة بن عامر بن نابي، وجابر بن عبد الله بن رباب. ومن أهل العلم بالسير من يجعل فيهم عبادة بن الصامت بدل جابر بن رباب، فدعاهم -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- إلى الإسلام فآمنوا وقالوا: إنّا تركنا قومنا وبينهم حروب فننصرف فندعوهم إلى ما دعوتنا إليه فلعل الله أن يجمعهم بك فإن اجتمعت كلمتهم عليك واتبعوك فلا أحد أعز منك وانصرفوا إلى المدينة