بنصب أحدكم ورفع خادمه مفعولًا وفاعلًا (بطعامه) جار ومجرور في موضع نصب. زاد أحمد والترمذي فليجلسه معه (فإن لم يجلسه معه فليناوله أكلة أو أكلتين) بضم الهمزة فيهما أي لقمة أو لقمتين وأما بالفتح فمعناه المرة الواحدة مع الاستيفاء وليس مرادًا هنا وأو للتقسيم (أو) قال: (لقمة أو لقمتين) بالشك من الراوي وعند الترمذي بلفظ لقمة فقط، ولمسلم تقييد ذلك بما إذا كان الطعام قليلًا ومقتضاه أنه إذا كان كثيرًا فإما أن يقعده معه وإما أن يجعل حظه منه كثيرًا (فإنه ولي حرّه) عند الطبخ (وعلاجه) عند تحصيل الآنية وتركيبه وإصلاحه.
وفي رواية لأحمد فإنه ولي حرّه ودخانه، والأمر هنا للندب وينبغي أن يلحق بهذا الذي طبخ من حمله أو عاينه ولو هرًّا أو كلبًا لتعلق نفسه به فربما وقع الضرر للآكل منه، فينبغي إطعامه من ذلك لتسكن نفسه ويتقي شر عينه وقد قيل: إنه ينفصل من البصر سموم تركب الطعام لا دواء لها إلا بشيء يطعمه من ذلك الطعام للناظر إليه.
هذا (باب) بالتنوين (الطاعم) وهو كما في القاموس وغيره الحسن الحال في المطعم (الشكر) لربه تعالى على ما أنعم به عليه في الثواب (مثل الصائم الصابر) على الجوع والطاعم مبتدأ أو مثل الصائم خبره.
فإن قلت: قد تقرر في علم البيان أن التشبيه يستدعي الجهة الجامعة والشكر نتيجة النعماء كما أن الصبر نتيجة البلاء فكيف شبه الشاكر بالصابر. أجيب: بأن هذا تشبيه في أصل ما لكل واحد منهما من الأجر لا في المقدار وهذا كما يقال زيد كعمرو فإن معناه زيد يشبه عمرًا في بعض الخصال ولا يلزم منه المماثلة في جميعها فلا تلزم المماثلة في الأجر أيضًا، وقال شارح المشكاة: قد ورد الإيمان نصفان نصف صبر ونصف شكر وربما يتوهم متوهم أن ثواب شكر الطاعم يقصر عن ثواب صبر الصائم فأزيل توهمه به يعني هما سيان في الثواب. قال: وفيه وجه آخر وهو أن الشاكر لما رأى النعمة من الله وحبس نفسه على محبة المنعم بالقلب وأظهرها باللسان نال درجة الصابر قال:
وقيدت نفسي في ذراك محبة ... ومن وجد الإحسان قيدًا تقيدا
فيكون التشبيه واقعًا في حبس النفس بالمحبة، والجهة الجامعة حبس النفس مطلقًا فأينما وجد الشكر وجد الصبر ولا ينعكس انتهى.
فالصابر يحبس نفسه على طاعة المنعم والشاكر يحبس نفسه على محبته وإذا تقرر أن الأصل أن المشبه به أعلى درجة من المشبه اقتضى السياق المذكور هنا تفضيل الفقير الصابر على الغني الشاكر وللناس في هذه المسألة كلام طويل تأتي نبذة منه إن شاء الله تعالى بعونه وقوّته وكرمه في الرقاق.
وما أحسن قول أحمد بن نصر الداودي: الفقر والغنى محنتان من الله يختبر بهما عباده في الشكر والصبر كما قال تعالى: {إنّا جعلنا ما على الأرض زينة لها لنبلوهم أيهم أحسن عملًا}[الكهف: ٧] فالفقير والغني متقابلان بما يعرض لكلٍّ منهما في فقره وغناه من العوارض فيمدح أو يذم، وقد جمع الله تعالى لسيدنا محمد -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- الحالات الثلاث: الفقر والغنى والكفاف، فكان الأول أوّل حالاته فقام بواجب ذلك من مجاهدة النفس ثم فتحت عليه الفتوح فصار بذلك في حدّ الأغنياء فقام بواجب ذلك من بذله لمستحقه والمراساة به والإيثار مع اقتصاره منه على ما يسدّ ضرورة عياله وهي صورة الكفاف التي مات عليها وهي حالة سليمة من الغنى المطغي والفقر المؤلم، وفي مسلم من حديث ابن عمر رفعه قد أفلح من هدي إلى الإسلام ورزق الكفاف وقنع والكفاف الكفاية بلا زيادة فمن حصل له ما يكفيه واقتنع به أمن من آفات الغنى والفقر، وقد رجح قوم الغنى على الفقر لما يتضمنه من القرب المالية، وهذا الذي ذكر إنما هو في فضل الوصفين الغنى والفقر لا في أحد ممن اتصف بأحدهما والاختلاف إنما هو في الأخير نعم النظر في أيّ الحالين أفضل عند الله للعبد حتى يتكسبه ويتخلق به، وهل التقلل من المال أفضل