أن لا أحدث إلا صدقًا ما بقيت) بكسر القاف (فوالله ما أعلم أحدًا من المسلمين أبلاه الله) بالموحدة الساكنة أي أنعم عليه (في صدق الحديث منه ذكرت ذلك لرسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أحسن مما أبلاني) أي مما أنعم عليّ، وفيه الأفضلية لا نفي المساواة لأنه شاركه في ذلك هلال ومرارة. (ما تعمدت منذ ذكرت ذلك لرسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- إلى يومي هذا كذبًا وإني لأرجو أن يحفظني الله فيما بقيت، وأنزل الله تعالى على رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- {لقد تاب الله على
النبي}) [التوبة: ٤٣] أي تجاوز عنه إذنه للمنافقين في التخلف كقوله: {عفا الله عنك لِمَ أذنت لهم} [التوبة: ٤٣] ({والمهاجرين والأنصار}) ثبت لأبي ذر والأنصار وفيه حث للمؤمنين على التوبة وأنه ما من مؤمن إلا وهو محتاج إلى التوبة والاستغفار حتى النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- والمهاجرين والأنصار (إلى قوله: {وكونوا مع الصادقين} [التوية: ١١٧]) في إيمانهم دون المنافقين أو مع الذين لم يتخلفوا (فوالله ما أنعم الله عليّ من نعمة قط بعد أن) ولأبي ذر عن الكشميهني: بعد إذ (هداني للإسلام أعظم في نفسي من صدقي لرسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أن لا كون) أي أن أكون (كذبته) فلا زائدة كقوله تعالى: {ما منعك ألا تسجد} [الأعراف: ١٢] (فأهلك) بكسر اللام والنصب أي فإن أهلك (كما هلك الذين كذبوا فإن الله تعالى قال للذين كذبوا حين أنزل الوحي شر ما قال لأحد) أي قال: قولا شرّ ما قال بالإضافة. أي شر القول الكائن لأحد من الناس (فقال تبارك وتعالى: {سيحلفون بالله لك إذا انقلبتم}) إذا رجعتم إليهم من الغزو (إلى قوله: {فإن الله لا يرضى عن القوم الفاسقين}) [التوبة: ٩٥، ٩٦] أي فإن رضاكم وحدكم لا ينفعهم إذا كان الله ساخطًا عليهم وكانوا عرضة لعاجل عقوبته وأجلها.
(قال كعب: وكنا تخلفنا أيها الثلاثة عن أمر أولئك الذين قبل منهم رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- حين حلفوا له) أن تخلفهم كان لعذر (فبايعهم واستغفر لهم وأرجأ) بالجيم والهمزة آخره أي أخّر (رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أمرنا) أيها الثلاثة (حتى قضى الله فيه) بالتوبة (فبذلك قال الله) تعالى: ({وعلى الثلاثة الذين خلفوا} [التوبة: ١١٨]) بضم الخاء وكسر اللام المشددة وسكون الفاء (عن الغزو وإنما) بالواو ولأبي الوقت ولغيره إنما (هو تخليفه) بالخاء المعجمة (إيانا وإرجاؤه) أي تأخيره (أمرنا عمن حلف له) -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- (واعتذر إليه فقبل منه) عليه الصلاة والسلام اعتذاره، والمراد على قوله: أنهم حلفوا عن التوبة لا عن الغزو.
وقد أخرج المؤلّف -رحمه الله تعالى- حديث غزوة تبوك وتوبة الله على كعب في عشرة مواضع مطوّلاً ومختصرًا، وسبق بعضها، ويأتي منها إن شاء الله تعالى في الاستئذان والأحكام، وأخرجه مسلم في التوبة، وأبو داود في الطلاق وكذا النسائي.
٨٠ - باب نُزُولُ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- الْحِجْرَ
(نزول النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- الحجر) بكسر الحاء المهملة وسكون الجيم وهي منازل ثمود قوم صالح عليه السلام بين المدينة والشام.
٤٤١٩ - حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدٍ الْجُعْفِيُّ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ أَخْبَرَنَا مَعْمَرٌ عَنِ الزُّهْرِيِّ عَنْ سَالِمٍ عَنِ ابْنِ عُمَرَ -رضي الله عنهما- قَالَ: لَمَّا مَرَّ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بِالْحِجْرِ قَالَ: «لَا تَدْخُلُوا مَسَاكِنَ الَّذِينَ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ أَنْ يُصِيبَكُمْ مَا أَصَابَهُمْ إِلَاّ أَنْ تَكُونُوا بَاكِينَ» ثُمَّ قَنَّعَ رَأْسَهُ وَأَسْرَعَ السَّيْرَ حَتَّى أَجَازَ الْوَادِيَ.
وبه قال: (حدّثنا عبد الله بن محمد الجعفي) بضم الجيم وسكون المهملة المسندي بفتح النون قال: (حدثنا عبد الرزاق) بن همام الحافظ أبو بكر الصنعاني قال: (أخبرنا معمر) هو ابن راشد (عن الزهري) محمد بن مسلم بن شهاب (عن سالم) هو ابن عبد الله بن عمر أحد فقهاء التابعين (عن ابن عمر -رضي الله عنهما-) أنه (قال: لما مرّ النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بالحجر) ديار ثمود بين المدينة والشام في غزوة تبوك (قال) لأصحابه الذين معه:
(لا تدخلوا مساكن الذين ظلموا أنفسهم) بالكفر (أن يصيبكم) بفتح الهمزة مفعولاً له أي مخافة الإصابة أو لئلا يصيبكم (ما أصابهم) من العذاب (إلا أن تكونوا باكين، ثم قنع) بفتح القاف والنون المشدّدة أي ستر -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- (رأسه) بردائه (وأسرع السير حتى أجاز الوادي) بالجيم والزاي أي قطعه.
وهذا الحديث سبق في باب قول الله تعالى: {وإلى ثمود أخاهم صالحًا} [الأعراف: ٧٣] من أحاديث الأنبياء.
٤٤٢٠ - حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ بُكَيْرٍ، حَدَّثَنَا مَالِكٌ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ دِينَارٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ -رضي الله عنهما- قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- لأَصْحَابِ الْحِجْرِ: «لَا تَدْخُلُوا عَلَى هَؤُلَاءِ الْمُعَذَّبِينَ، إِلَاّ أَنْ تَكُونُوا بَاكِينَ أَنْ يُصِيبَكُمْ مِثْلُ مَا أَصَابَهُمْ».
وبه قال: (حدّثنا يحيى بن بكير) بضم الموحدة مصغرًا قال: (حدّثنا مالك) الإمام (عن عبد الله بن دينار عن ابن عمر -رضي الله عنهما-) أنه (قال: قال رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-