عظيم فلا ينبغي وصفهما بالنقصان بخلاف غيرهما من الشهور. وقال البيهقي في المعرفة: إنما خصهما بالذكر لتعلق حكم الصوم والحج بهما، وبه جزم النووي وقال إنه الصواب المعتمد وأن كل ما ورد عنهما من الفضائل والأحكام حاصل سواء كان رمضان ثلاثين أو تسعًا وعشرين سواء صادف الوقوف اليوم التاسع أو غيره. ولا يخفى أن محل ذلك ما إذا لم يحصل تقصير في ابتغاء الهلال. وفائدة الحديث رفع ما يقع في القلوب من شك لمن صام تسعًا وعشرين أو وقف في غير يوم عرفة. وقال الطيبي: ظاهر سياق الحديث في بيان اختصاص الشهرين بمزية ليست في سائرها وليس المراد أن ثواب الطاعة في سائرها قد ينقص دونهما، وإنما المراد رفع الحرج عما عسى أن يقع فيه خطأ في الحكم لاختصاصهما بالعيدين وجواز احتمال وقوع الخطأ فيهما ومن ثم لم يقتصر على قوله رمضان وذو الحجة بل قال:
(شهرا عيد) خبر مبتدأ محذوف أي هما شهرا عيد أو رفع على البدلية أحدهما "رمضان" بغير صرف للعلمية والألف والنون (و) الآخر (ذو الحجة) وهذا لفظ متن السند الثاني وهو موافق للفظ الترجمة وأطلق على رمضان أنه شهر عيد لقربه من العيد أو لكون هلال العيد. ربما (رئي في اليوم الأخير من رمضان قاله الأثرم والأول أولى ونظيره قوله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: "المغرب وتر النهار" أخرجه الترمذي
من حديث ابن عمر وصلاة المغرب ليلية جهرية وأطلق كونها وتر النهار لقربها منه وفيه إشارة إلى أن وقتها يقع أوّل ما تغرب الشمس. واستشكل ذكر الحجة لأنه إنما يقع الحج في العشر الأول منه فلا دخل لنقصان الشهر وتمامه.
وأجيب: بأنه مؤول بأن الزيادة والنقص إذا وقعا في القعدة يلزم منهما نقص عشر ذي الحجة الأول أو زيادته فيقفون الثامن أو العاشر فلا ينقص أجر وقوفهم عما لا غلط فيه قاله الكرماني، لكن قال البرماوي: وقوف الثامن غلطًا لا يعتبر على الأصح.
١٣ - باب قَوْلِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: «لَا نَكْتُبُ وَلَا نَحْسُبُ»
(باب قول النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- لا نكتب ولا نحسب) بالنون فيهما.
١٩١٣ - حَدَّثَنَا آدَمُ حَدَّثَنَا شُعْبَةُ حَدَّثَنَا الأَسْوَدُ بْنُ قَيْسٍ حَدَّثَنَا سَعِيدُ بْنُ عَمْرٍو أَنَّهُ سَمِعَ ابْنَ عُمَرَ -رضي الله عنهما- عَنِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أَنَّهُ قَالَ: "إِنَّا أُمَّةٌ أُمِّيَّةٌ لَا نَكْتُبُ وَلَا نَحْسُبُ، الشَّهْرُ هَكَذَا وَهَكَذَا. يَعْنِي مَرَّةً تِسْعَةً وَعِشْرِينَ وَمَرَّةً ثَلَاثِينَ".
وبالسند قال: (حدّثنا آدم) بن أبي إياس قال (حدّثنا شعبة) بن الحجاج قال: (حدّثنا الأسود بن قيس) الكوفي التابعي الصغير قال: (حدّثنا سعيد بن عمرو) بفتح العين ابن سعيد بن العاصي المدني سكن دمشق ثم الكوفة (أنه سمع ابن عمر -رضي الله عنهما- عن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أنه قال):
(إنا) أي العرب أو نفسه المقدسة (أمة) جماعة قريش (أمية) بلفظ النسبة إلى الأم أي باقون على الحالة التي ولدتنا عليها الأمهات (لا نكتب) بيان لكونهم كذلك أو المراد النسبة إلى أمة العرب لأنهم ليسوا أهل كتاب والكاتب منهم نادر (ولا نحسب)، بضم السين لا نعرف حساب النجوم وتسييرها فلم نكلف في تعريف مواقيت صومنا ولا عبادتنا ما نحتاج فيه إلى معرفة حساب ولا كتابة إنما ربطت عبادتنا بأعلام واضحة وأمور ظاهرة لائحة يستوي في معرفتها الحساب وغيرهم، ثم تمم عليه الصلاة والسلام هذا المعنى بإشارته بيده من غير لفظ إشارة يفهمها الأخرس والأعجمي (الشهر هكذا وهكذا). قال الراوي (يعني) عليه الصلاة والسلام (مرة تسعة وعشرين ومرة ثلاثين).
قال في الفتح هكذا ذكره آدم شيخ المؤلّف مختصرًا ورواه غندر عن شعبة تامًّا أخرجه مسلم عن ابن المثنى وغيره عنه بلفظ الشهر هكذا وهكذا وعقد الإبهام في الثالثة والشهر هكذا وهكذا وهكذا يعني تمام ثلاثين أي أشار أولاً بأصابع يديه العشر جميعًا مرتين وقبض الإبهام في المرة الثالثة، وهذا هو المعبر عنه بقوله: تسع وعشرون وأشار بهما مرة أخرى ثلاث مرات وهو المعبر عنه بقوله ثلاثون.
وحديث الباب أخرجه مسلم في الصوم وكذا أبو داود والنسائي.
١٤ - باب لَا يُتَقَدَّمُ رَمَضَانُ بِصَوْمِ يَوْمٍ وَلَا يَوْمَيْنِ
هذا (باب) بالتنوين وبغيره (لا يتقدّمن) بنون التوكيد الثقيلة ويجوز تخيفها ولأبي ذر وابن عساكر: لا يتقدم أي الكلف (رمضان) وقال الحافظ ابن حجر: لا يتقدم بضم أوله وفتح ثانيه يعني مبنيًّا للمفعول رمضان رفع نائب عن الفاعل ثم قال: ويجوز فتحهما أي أوّل