للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

ذكرني في نفسه ذكرته في نفسي وإن ذكرني في ملأ ذكرته في ملأ خير منه، وقد يريد بذلك الملائكة المقربين والكروبيين خاصة الذين اختصّهم لحضرته، فلهذا الفضل شرع لهم في الصلاة الجهر بالقراءة والسرّ وهي لغة الدعاء بخير قال الله تعالى: {وصلِّ عليهم} [التوبة: ١٠٣] أي ادع لهم وشرعًا أقوال وأفعال مفتتحة بالتكبير مختتمة بالتسليم.

١ - باب كَيْفَ فُرِضَتِ الصَّلواتُ فِي الإِسْرَاءِ؟

وَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: حَدَّثَنِي أَبُو سُفْيَانَ فِي حَدِيثِ هِرَقْلَ فَقَالَ: يَأْمُرُنَا -يَعْنِي النَّبِيَّ-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بِالصَّلَاةِ وَالصِّدْقِ وَالْعَفَافِ.

(باب كيف فرضت الصلاة) وللكشميهني والمستملي كيف فرضت الصلوات (في) ليلة (الإسراء) بجسده وروحه عليه الصلاة والسلام يقظة إلى السماوات، وقد اختلفوا مع اتفاقهم على أن

فريضة الصلوات كانت ليلة الإسراء في وقته، فقيل: قبل الهجرة بسنة وعليه الأكثرون أو وخمسة أشهر أو ثلاثة أو قبلها بثلاث سنين، وقال الحربي: في سابع عشر ربيع الآخر، وكذا قال النووي في فتاويه، لكن قال في شرح مسلم: ربيع الأول، وقيل: سابع عشر رجب، واختاره الحافظ عبد الغني بن سرور المقدسي.

(وقال ابن عباس) رضي الله عنهما فيما وصله المؤلف أوائل الكتاب: (حدّثني) بالإفراد (أبو سفيان) صخر بن حرب (في حديث هرقل) الطويل (فقال) أبو سفيان (يأمرنا يعني النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بالصلاة والصدق والعفاف) وقد أخرجه المؤلّف في أربعة عشر موضعًا، وأخرجه مسلم وأصحاب السُّنن الأربعة إلاّ ابن ماجة.

٣٤٩ - حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ بُكَيْرٍ قَالَ: حَدَّثَنَا اللَّيْثُ عَنْ يُونُسَ عَنِ ابْنِ شِهَابٍ عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ قَالَ: كَانَ أَبُو ذَرٍّ يُحَدِّثُ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ: «فُرِجَ عَنْ سَقْفِ بَيْتِي وَأَنَا بِمَكَّةَ، فَنَزَلَ جِبْرِيلُ فَفَرَجَ صَدْرِي، ثُمَّ غَسَلَهُ بِمَاءِ زَمْزَمَ، ثُمَّ جَاءَ بِطَسْتٍ مِنْ ذَهَبٍ مُمْتَلِئٍ حِكْمَةً وَإِيمَانًا فَأَفْرَغَهُ فِي صَدْرِي ثُمَّ أَطْبَقَهُ، ثُمَّ أَخَذَ بِيَدِي فَعَرَجَ بِي إِلَى السَّمَاءِ الدُّنْيَا، فَلَمَّا جِئْتُ إِلَى السَّمَاءِ الدُّنْيَا قَالَ جِبْرِيلُ لِخَازِنِ السَّمَاءِ: افْتَحْ. قَالَ: مَنْ هَذَا؟ قَالَ: هَذَا جِبْرِيلُ. قَالَ: هَلْ مَعَكَ أَحَدٌ؟ قَالَ: نَعَمْ، مَعِي مُحَمَّدٌ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-. فَقَالَ: أُرْسِلَ إِلَيْهِ؟ قَالَ: نَعَمْ. فَلَمَّا فَتَحَ عَلَوْنَا السَّمَاءَ الدُّنْيَا، فَإِذَا رَجُلٌ قَاعِدٌ عَلَى يَمِينِهِ أَسْوِدَةٌ وَعَلَى يَسَارِهِ أَسْوِدَةٌ، إِذَا نَظَرَ قِبَلَ يَمِينِهِ ضَحِكَ، وَإِذَا نَظَرَ قِبَلَ يَسَارِهِ بَكَى، فَقَالَ: مَرْحَبًا بِالنَّبِيِّ الصَّالِحِ وَالاِبْنِ الصَّالِحِ. قُلْتُ لِجِبْرِيلَ: مَنْ هَذَا؟ قَالَ: هَذَا آدَمُ. وَهَذِهِ الأَسْوِدَةُ عَنْ يَمِينِهِ وَشِمَالِهِ نَسَمُ بَنِيهِ، فَأَهْلُ الْيَمِينِ مِنْهُمْ أَهْلُ الْجَنَّةِ، وَالأَسْوِدَةُ الَّتِي عَنْ شِمَالِهِ أَهْلُ النَّارِ، فَإِذَا نَظَرَ عَنْ يَمِينِهِ ضَحِكَ، وَإِذَا نَظَرَ قِبَلَ شِمَالِهِ بَكَى. حَتَّى عَرَجَ بِي إِلَى السَّمَاءِ الثَّانِيَةِ فَقَالَ لِخَازِنِهَا: افْتَحْ. فَقَالَ لَهُ خَازِنُهَا مِثْلَ مَا قَالَ الأَوَّلُ، فَفَتَحَ». قَالَ أَنَسٌ: فَذَكَرَ أَنَّهُ وَجَدَ فِي السَّمَوَاتِ آدَمَ وَإِدْرِيسَ وَمُوسَى وَعِيسَى وَإِبْرَاهِيمَ صَلَوَاتُ اللَّهِ عَلَيْهِمْ. وَلَمْ يُثْبِتْ كَيْفَ مَنَازِلُهُمْ، غَيْرَ أَنَّهُ ذَكَرَ أَنَّهُ وَجَدَ آدَمَ فِي السَّمَاءِ الدُّنْيَا، وَإِبْرَاهِيمَ فِي السَّمَاءِ السَّادِسَةِ. قَالَ أَنَسٌ: فَلَمَّا مَرَّ جِبْرِيلُ بِالنَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بِإِدْرِيسَ قَالَ: "مَرْحَبًا بِالنَّبِيِّ الصَّالِحِ وَالأَخِ الصَّالِحِ، فَقُلْتُ مَنْ هَذَا؟ قَالَ: هَذَا إِدْرِيسُ. ثُمَّ مَرَرْتُ بِمُوسَى فَقَالَ: مَرْحَبًا بِالنَّبِيِّ الصَّالِحِ وَالأَخِ الصَّالِحِ. قُلْتُ: مَنْ هَذَا؟ قَالَ هَذَا مُوسَى. ثُمَّ مَرَرْتُ بِعِيسَى فَقَالَ: مَرْحَبًا بِالأَخِ الصَّالِحِ وَالنَّبِيِّ الصَّالِحِ. قُلْتُ: مَنْ هَذَا؟ قَالَ: هَذَا عِيسَى. ثُمَّ مَرَرْتُ بِإِبْرَاهِيمَ فَقَالَ: مَرْحَبًا بِالنَّبِيِّ الصَّالِحِ وَالاِبْنِ الصَّالِحِ. قُلْتُ: مَنْ هَذَا؟ قَالَ: هَذَا إِبْرَاهِيمُ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-». قَالَ ابْنُ شِهَابٍ فَأَخْبَرَنِي ابْنُ حَزْمٍ أَنَّ ابْنَ عَبَّاسٍ وَأَبَا حَبَّةَ الأَنْصَارِيَّ كَانَا يَقُولَانِ: قَالَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: «ثُمَّ عُرِجَ بِي حَتَّى ظَهَرْتُ لِمُسْتَوًى أَسْمَعُ فِيهِ صَرِيفَ الأَقْلَامِ». قَالَ ابْنُ حَزْمٍ وَأَنَسُ بْنُ مَالِكٍ: قَالَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: «فَفَرَضَ اللَّهُ عَلَى أُمَّتِي خَمْسِينَ صَلَاةً، فَرَجَعْتُ بِذَلِكَ حَتَّى مَرَرْتُ عَلَى مُوسَى فَقَالَ:

مَا فَرَضَ اللَّهُ عَلَى أُمَّتِكَ؟ قُلْتُ: فَرَضَ خَمْسِينَ صَلَاةً. قَالَ: فَارْجِعْ إِلَى رَبِّكَ، فَإِنَّ أُمَّتَكَ لَا تُطِيقُ ذَلِكَ. فَرَاجَعني فَوَضَعَ شَطْرَهَا. فَرَجَعْتُ إِلَى مُوسَى قُلْتُ: وَضَعَ شَطْرَهَا. فَقَالَ: رَاجِعْ رَبَّكَ، فَإِنَّ أُمَّتَكَ لَا تُطِيقُ. فَرَاجَعْتُ، فَوَضَعَ شَطْرَهَا. فَرَجَعْتُ إِلَيْهِ فَقَالَ: ارْجِعْ إِلَى رَبِّكَ فَإِنَّ أُمَّتَكَ لَا تُطِيقُ ذَلِكَ. فَرَاجَعْتُهُ فَقَالَ: هِيَ خَمْسٌ وَهْيَ خَمْسُونَ، لَا يُبَدَّلُ الْقَوْلُ لَدَىَّ. فَرَجَعْتُ إِلَى مُوسَى فَقَالَ: رَاجِعْ رَبَّكَ. فَقُلْتُ: اسْتَحْيَيْتُ مِنْ رَبِّي ثُمَّ انْطَلَقَ بِي حَتَّى انْتَهَى بِي إِلَى سِدْرَةِ الْمُنْتَهَى، وَغَشِيَهَا أَلْوَانٌ لَا أَدْرِي مَا هِيَ. ثُمَّ أُدْخِلْتُ الْجَنَّةَ، فَإِذَا فِيهَا حَبَايِلُ اللُّؤْلُؤِ، وَإِذَا تُرَابُهَا الْمِسْكُ». [الحديث ٣٤٩ - طرفاه في: ١٦٣٦، ٣٣٤٢].

وبالسند قال: (حدّثنا يحيى بن بكير) بضم الموحدة (قال: حدّثنا الليث) بن سعد الإمام (عن يونس) بن يزيد (عن ابن شهاب) الزهري (عن أنس بن مالك) وسقط لفظ ابن مالك لابن عساكر (قال):

(كان أبو ذر) رضي الله عنه (يحدّث أن رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قال: فرج) بضم الفاء وكسر الراء أي

فتح (عن سقف بيتي) أضافه لنفسه لأن الإضافة تكون بأدنى ملابسه وإلاّ فهو بيت أُم هانئ كما ثبت (وأنا بمكة) جملة حالية اسمية (فنزل جبريل) عليه السلام من الوضع المفروج في السقف مبالغة في المفاجأة (ففرج) بفتحات أي شق (صدري) ولأبي ذر عن صدري (ثم غسله بماء زمزم) وإنما اختاره عن غيره من المياه لفضله على غيره من المياه أو لأنه يقوّي القلب، (ثم جاء بطست) بفتح الطاء وسكون السين المهملة وهي مؤنثة وتُذكّر على معنى الإناء (من ذهب) لا يقال فيه استعمال آنية الذهب لأنّا نقول إن ذلك كان قبل التحريم لأنه إنما وقع بالمدينة (ممتلئ) بالجرّ صفة لطست وذكر على معنى الإناء (حكمةً وإيمانًا) بالنصب فيهما على التمييز أي شيئًا يحصل بملابسته الحكمة والإيمان، فأطلقا عليه تسمية للشيء باسم مسبّبه أو هو تمثيل لينكشف بالمحسوس ما هو معقول كمجيء الموت فى هيئة كبش أملح والحكمة كما قاله النووي عبارة عن العلم المتّصف بالأحكام المشتملة على المعرفة بالله تعالى المصحوبة بنفاذ البصيرة وتهذيب النفس وتحقيق الحق والعمل به والصدّ عن اتباع الهوى والباطل، وقيل: هي النبوّة، وقيل: هي الفهم عن الله تعالى. (فأفرغه) أي ما في الطست (في صدري ثم أطبقه) أي الصدر الشريف فختم عليه كما يختم على الوعاء المملوء، فجمع الله تعالى له أجزاء النبوّة وختمها فهو خاتم النبيين وختم عليه فلم يجد عدوّه سبيلاً إليه لأن الشيء المختوم عليه محروس، وإنما فعل به ذلك ليتقوّى على استجلاء الأسماء الحسنى والثبوت في المقام الأسنى كما وقع له ذلك أيضًا في حال صباه لينشأ على أكمل الأخلاق وعند المبعث ليتلقّى الوحي بقلب قوي.

قال عليه السلام: (ثم أخذ بيدي) جبريل (فعرج) أي صعد (بي إلى السماء الدنيا) ولأبي ذرّ عن الكشميهني وابن عساكر به على الالتفات أو التجريد جرّد من نفسه شخصًا وأشار إليه (فلما

جئت إلى السماء الدنيا) وبينها وبين الأرض خمسمائة عام كما بين كل سماءين إلى السابعة وسقط لفظ الدنيا عند الأربعة. (قال جبريل لخازن السماء) الدنيا: (افتح) أي بابها، أو في رواية شريك عند المؤلّف فضرب بابًا من أبوابها. (قال) الخازن: (مَن هذا) الذي يقرع الباب، (قال: جبريل) ولغير أبي ذر قال: هذا جبريل لم يقال أنا للنهي عنه (قال: هل معك أحد؟ قال: نعم معي محمد -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، فقال: أرسل إليه) للعروج به وليس السؤال

<<  <  ج: ص:  >  >>