وقال التوربشتي لقنه النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- هذا القول ليتلفظ به عند البيع ليطلع به صاحبه على أنه ليس من ذوي البصائر من معرفة السلع ومقادير القيمة فيها ليرى له كما يرى لنفسه، وكان الناس في ذلك أحقّاء لا يغبنون أخاهم المسلم وكانوا ينظرون له كما ينظرون لأنفسهم انتهى.
واستعماله في الشرع عبارة عن اشتراط خيار الثلاث، وقد زاد البيهقي في هذا الحديث بإسناد حسن: ثم أنت بالخيار في كل سلعة ابتعتها ثلاث ليالٍ، وفي رواية الدارقطني عن عمر فجعل له رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- عهدة ثلاثة أيام. زاد ابن إسحاق في رواية يونس بن بكير فإن رضيت فأمسك وإن سخطت فاردد فبقي حتى أدرك زمن عثمان وهو ابن مائة وثلاثين سنة فكثر الناس في زمن عثمان فكان إذا اشترى شيئًا فقيل له: إنك غبنت فيه رجع به فيشهد له الرجل من الصحابة بأن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قد جعله بالخيار ثلاثًا فردّ له دراهمه، واستدلّ به أحمد لأنه يرد بالغبن الفاحش لمن لم يعرف قيمة السلعة، وحدّه بعض الحنابلة بثلث القيمة وقيل بسدسها. وأجاب الشافعية والحنفية والجمهور بأنها واقعة عين وحكاية حال فلا يصح دعوى العموم فيها عند أحد.
وقال البيضاوي: حديث ابن عمر هذا يدل على أن الغبن لا يفسد البيع ولا يثبت الخيار لأنه لو أفسد البيع أو أثبت الخيار لبيّنه رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- ولم يأمره بالشرط اهـ.
وفيه اشتراط الخيار من المشتري فقط وقيس به البائع ويصدق ذلك باشتراطهما معًا وخرج بالثلاثة ما فوقها وشرط الخيار مطلقًا لأن ثبوت الخيار على خلاف القياس لأنه غرر فيقتصر فيه على مورد النص وجاز أقل منها بالأولى.
وهذا الحديث أخرجه المؤلّف أيضًا في ترك الحيل وأبو داود والنسائي في البيوع.
٤٩ - باب مَا ذُكِرَ فِي الأَسْوَاقِ
وَقَالَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ عَوْفٍ: لَمَّا قَدِمْنَا الْمَدِينَةَ قُلْتُ: هَلْ مِنْ سُوقٍ فِيهِ تِجَارَةٌ؟ قَالَ: سُوقُ قَيْنُقَاعَ.
وَقَالَ أَنَسٌ: قَالَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ دُلُّونِي عَلَى السُّوقِ. وَقَالَ عُمَرُ: أَلْهَانِي الصَّفْقُ بِالأَسْوَاقِ.
(باب ما ذكر في الأسواق).
(وقال عبد الرحمن بن عوف) فيما سبق موصولاً في أول كتاب البيوع (لما قدمنا المدينة قلت: هل من سوق فيه تجارة)؟ وسقط قوله قلت لأبي ذر (قال) سعد بن الربيع، ولأبوي ذر والوقت فقال: (سوق قينقاع) بضم النون منصرف وغير منصرف، (وقال أنس) مما وصله في الباب المذكور أيضًا (قال عبد الرحمن) بن عوف: (دلوني على السوق. وقال عمر) بن الخطاب فيما وصله في أثناء حديث أبي موسى في باب الخروج في التجارة من كتاب البيوع (ألهاني الصفق بالأسواق).
٢١١٨ - حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الصَّبَّاحِ حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ زَكَرِيَّا عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ سُوقَةَ عَنْ نَافِعِ بْنِ جُبَيْرِ بْنِ مُطْعِمٍ قَالَ: حَدَّثَتْنِي عَائِشَةُ -رضي الله عنها- قَالَتْ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: «يَغْزُو جَيْشٌ الْكَعْبَةَ، فَإِذَا كَانُوا بِبَيْدَاءَ مِنَ الأَرْضِ يُخْسَفُ بِأَوَّلِهِمْ وَآخِرِهِمْ. قَالَتْ: قُلْتُ يَا رَسُولَ اللَّهِ كَيْفَ يُخْسَفُ بِأَوَّلِهِمْ وَآخِرِهِمْ وَفِيهِمْ أَسْوَاقُهُمْ وَمَنْ لَيْسَ مِنْهُمْ؟ قَالَ: يُخْسَفُ بِأَوَّلِهِمْ وَآخِرِهِمْ، ثُمَّ يُبْعَثُونَ عَلَى نِيَّاتِهِمْ».
وبه قال: (حدّثنا) بالجمع، ولأبوي ذر والوقت: حدّثني (محمد بن الصباح) بفتح الصاد المهملة وتشديد الموحدة ابن سفيان الدولابيّ قال: (حدّثنا إسماعيل بن زكريا) أبو زياد الأسديّ (عن محمد بن سوقة) بضم السين المهملة وسكون الواو وبالقاف أبي بكر الغنويّ الكوفي من صغار التابعين (عن نافع بن جبير بن مطعم) أنه (قال حدّثتني عائشة -رضي الله عنها- قالت: قال رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: يغزو) بالغين والزاي المعجمتين أي يقصد (جيثس الكعبة) لتخريبها (فإذا كانوا ببيداء من الأرض) ولمسلم عن أبي جعفر الباقر هي بيداء المدينة (يخسف بأوّلهم وآخرهم) وزاد الترمذي في حديث صفية ولم ينج أوسطهم ولمسلم في حديث حفصة فلا يبقى إلا الشريد الذي يخبر عنهم.
(قالت) عائشة (قلت: يا رسول الله كيف يخسف بأوّلهم وآخرهم وفيهم أسواقهم ومن ليس منهم)؟ جمع سوق وعليه ترجم المؤلّف، والتقدير أهل أسواقهم الذين يبيعون ويشترون كما في المدن، وفي مستخرج أبي نعيم وفيهم أشرافهم بالمعجمة والراء والفاء، وفي رواية محمد بن بكار عند الإسماعيليّ وفيهم سواهم بدل أسواقهم وقال: رواه البخاري أسواقهم أي بالقاف وأظنه تصحيفًا فإن الكلام في الخسف بالناس لا بالأسواق، وتعقبه في فتح الباري، بأن لفظ سواهم تصحيف فإنه
بمعنى قوله ومن ليس منهم فيلزم منه التكرار بخلاف رواية البخاري، ويحتمل أن يكون المراد بالاسواق هنا الرعايا.
قال ابن الأثير: السوقة من الناس الرعية ومن دون الملك وكثير من الناس يظنون السوقة أهل الاسواق انتهى.
قال في اللامع كالتنقيح: لكن هذا يتوقف على أن السوقة يجمع على أسواق وذكر