أي جعلك خالصًا صافيًا عن شائبة ما لا يليق بك وقوله بكلامه فيه تلميح إلى قوله:{وكلم الله موسى تكليمًا}[النساء: ١٦٤] وقوله: {تلك الرسل فضلنا}[البقرة: ٢٥٣] الآية (وخط لك) ألواح التوراة (بيده) بقدرته (أتلومني على أمر قدّر الله عليّ) بتشديد الياء وحذف ضمير المفعول ولأبي ذر عن الكشميهني قدّره الله عليّ (قبل أن يخلقني بأربعين سنة) أي ما بين قوله تعالى: {إني جاعل في الأرض خليفة}[البقرة: ٣٠] إلى نفخ الروح فيه أو هي مدة لبثه طينًا إلى أن نفخت فيه الروح، ففيه مسلم أن بين تصويره طينًا ونفخ الروح فيه كان أربعين سنة أو المراد إظهاره للملائكة، وفي رواية أبي صالح السمان عند الترمذي وابن خزيمة من طريق الأعمش فتلومني على شيء كتبه الله عليّ قبل خلقي، وفي حديث أبي سعيد عند البزار: أتلومني على أمر قدّره الله تعالى عليّ قبل أن يخلق السماوات والأرض وجمع بحمل المقيد بالأربعين على ما يتعلق بالكتابة والآخر على ما يتعلق بالعلم (فحج آدم) بالرفع على الفاعلية (موسى) نصب مفعولاً (فحج آدم موسى) قالها (ثلاثًا) والملفوظ به هنا ثنتان أي غلبه بالحجة بأن ألزمه أن ما صدر عنه لم يكن هو مستقلاًّ به متمكنًا من تركه، بل كان قدرًا من الله تعالى لا بدّ من إمضائه، والجملة مقررة لما سبق وتأكيد له وتثبيت للأنفس على توطين هذا الاعتقاد أي أن الله أثبته في أمّ الكتاب قبل كوني، وحكم بأنه كائن لا محالة فكيف تغفل عن العلم السابق وتذكر الكسب الذي هو السبب وتنسى الأصل الذي هو القدر وأنت من المصطفين الأخيار الذين يشاهدون سرّ الله تعالى من وراء الأستار، وهذه المحاجة لم تكن في عالم الأسباب الذي لا يجوز فيه قطع النظر عن الوسائط والاكتساب، وإنما كانت في العالم العلوي عند ملتقى الأرواح واللوم وإنما يتوجه على المكلف ما دام في دار التكليف أما بعدها فأمره إلى الله تعالى لا سيما وقد وقع ذلك بعد أن تاب الله عليه، فلذا عدل إلى الاحتجاج بالقدر السابق فالتائب لا يلام على ما تيب عليه منه ولا سيما إذا انتقل عن دار التكليف.
واختلف في وقت هذه المحاجة فقيل يحتمل أنه في زمان موسى فأحيا الله له آدم معجزة له فكلمه، أو كشف له عن قبره فتحدثا، أو أراه الله روحه كما أري النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- ليلة المعراج أرواح الأنبياء، أو أراه الله له في المنام ورؤيا الأنبياء وحي، أو كان ذلك بعد وفاة موسى فالتقيا في البرزخ أول ما مات موسى فالتقت أرواحهما في السماء. وبذلك جزم ابن عبد البر والقابسي أو أن ذلك لم يقع بعد وإنما يقع في الآخرة والتعبير عنه في الحديث بلفظ الماضي لتحقق وقوعه.
والحديث أخرجه مسلم في القدر أيضًا وأبو داود في السنة والنسائي في التفسير وابن ماجة في السنة أيضًا.
(قال سفيان) بن عيينة ولأبي الوقت، وقال سفيان بواو العطف على قوله حفظناه من عمرو فهو موصول (حدّثنا أبو الزناد) عبد الله بن ذكوان (عن الأعرج) عبد الرَّحمن بن هرمز (عن أبي هريرة) -رضي الله عنه- (عن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- مثله) أي مثل الحديث السابق.
وبه قال:(حدّثنا محمد بن سنان) بكسر السين المهملة وتخفيف النون العوقي قال: (حدّثنا فليح) بضم الفاء عبد الملك بن سليمان قال: (حدّثنا عبدة) بفتح العين المهملة وسكون الموحدة (ابن أبي لبابة) بضم اللام وتخفيف الموحدة الأسدي الكوفي سكن دمشق (عن وراد) بفتح الواو والراء المشددة (مولى المغيرة بن شعبة) وكاتبه أنه (قال: كتب معاوية) بن أبي سفيان (إلى المغيرة) بن شعبة (اكتب إلي) بتشديد الياء (ما) ولأبي ذر بما (سمعت النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يقول: خلف الصلاة) المكتوبة (فأملى عليّ المغيرة) بفتح الهمزة واللام بينهما ميم ساكنة وعلي بتشديد الياء (قال: سمعت النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يقول: خلف الصلاة) المكتوبة:
(لا إله إلا الله وحده لا شريك له) ذكره بعد استفادة الحصر من الذي قبله وهو لا إله إلا الله تأكيد مع ما فيه من تكثير حسنات الذاكر (اللهم