الزبير قدمت قتيلة بنت عبد العزى على ابنتها أسماء بنت أبي بكر في الهدنة وكان أبو بكر طلّقها في الجاهلية بهدايا زبيب وسمن وقرظ فأبت أسماء أن تقبل هديتها أو تدخلها بيتها (وهي مشركة) جملة حالية (في عهد رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) في زمنه (فاستفتيت رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قلت) وفي رواية حاتم بن إسماعيل في الجزية فقلت يا رسول الله (إن أمي قدمت وهي راغبة) في شيء تأخذه أو عن ديني أو في القرب مني ومجاورتي والتودّد إليّ لأنها ابتدأت أسماء بالهدية، ورغبت منها في المكافأة لا الإسلام لأنه لم يقع في شيء من الروايات ما يدل على إسلامها ولو حمل قوله راغبة أي في الإسلام لم يستلزم إسلامها فلذا لم يصب من ذكرها في الصحابة، وأما قول الزركشي ورُوِيَ راغمة بالميم أي كارهة للإسلام ساخطة له فيوهم أنه رواية في البخاري وليس كذلك بل هي رواية عيسى بن يونس عن هشام عند أبي داود والإسماعيلي (أفأصل أمي قال): عليه الصلاة والسلام:
(نعم صلّى أمك) زاد في الأدب عن الحميدي عن ابن عيينة قال ابن عيينة: فأنزل الله فيها {لا ينهاكم الله عن الذين لم يقاتلوكم في الدين} [الممتحنة: ٨].
٣٠ - باب لَا يَحِلُّ لأَحَدٍ أَنْ يَرْجِعَ فِي هِبَتِهِِ
هذا (باب) بالتنوين (لا يحل لأحد أن يرجع في هبته) التي وهبها (و) لا في (صدقته) التي تصدق بها.
٢٦٢١ - حَدَّثَنَا مُسْلِمُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ حَدَّثَنَا هِشَامٌ وَشُعْبَةُ قَالَا: حَدَّثَنَا قَتَادَةُ عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيَّبِ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ -رضي الله عنهما- قَالَ: قَالَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: «الْعَائِدُ فِي هِبَتِهِ كَالْعَائِدِ فِي قَيْئِهِ».
وبه قال: (حدّثنا مسلم بن إبراهيم) الأزدي الفراهيدي بالفاء أبو عمرو البصري قال: (حدّثنا هشام) الدستوائي (وشعبة) بن الحجاج (قالا: حدّثنا قتادة) بن دعامة (عن سعيد بن المسيب) بفتح التحتية (عن ابن عباس -رضي الله عنهما-) أنه (قال: قال النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-): (العائد في هبته كالعائد في قيئه) زاد أبو داود في آخره قال: همام قال: قتادة ولا أعلم القيء إلا حرامًا.
٢٦٢٢ - وحَدَّثَني عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ الْمُبَارَكِ حَدَّثَنَا عَبْدُ الْوَارِثِ حَدَّثَنَا أَيُّوبُ عَنْ عِكْرِمَةَ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ -رضي الله عنهما- قَالَ: قَالَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: «لَيْسَ لَنَا مَثَلُ السَّوْءِ، الَّذِي يَعُودُ فِي هِبَتِهِ كَالْكَلْبِ يَرْجِعُ فِي قَيْئِهِ».
وبه قال: (حدّثنا) ولأبي ذر وحدّثني بالإفراد وواو العطف (عبد الرحمن بن المبارك) ليس أخا عبد الله بن المبارك المشهور بل هو العيشي بتحتية ومعجمة البصري قال: (حدّثنا عبد الوارث) بن سعيد التنوري بفتح المثناة وتشديد النون قال: (حدّثنا أيوب) بن أبي تميمة كيسان السختياني البصري (عن عكرمة) مولى ابن عباس (عن ابن عباس -رضي الله عنهما-) أنه (قال: قال النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- ليس لنا) وفي رواية: منّا.
(مثل السوء) بفتح السين ومثل بفتح الميم والمثلثة (الذي يعود في هبته) أي العائد في هبته
(كالكلب يرجع في قيئه) زاد مسلم من رواية أبي جعفر محمد بن علي الباقر عنه فيأكله وله في رواية
بكير إنما مثل الذي يتصدق بصدقة ثم يعود في صدقته كمثل الكلب يقيء ثم يأكل قيأه، والمعنى
كما قال البيضاوي: لا ينبغي لنا معشر المؤمنين أن نتّصف بصفة ذميمة يشابهنا فيها أخسّ الحيوانات
في أحوالها. قال في الفتح: ولعل هذا أبلغ في الزجر عن ذلك وأدلّ على التحريم مما لو قال: مثلاً
لا تعودوا في الهبة. قال النووي: هذا المثل ظاهر في تحريم الرجوع في الهبة والصدقة بعد إقباضهما
وهو محمول على هبة الأجنبي لا ما وهب لولده وولد ولده كما صرّح به في حديث النعمان، وهذا
مذهب الشافعي ومالك، وقال الحنفية: يكره الرجوع فيها لحديث الباب ولا يحرم لأن فعل الكلب
يوصف بالقبح لا بالحرمة فيجوز الرجوع فيما يهبه لأجنبي بتراضيهما أو بحكم حاكم لقوله عليه
الصلاة والسلام: "الواهب أحق بهبته ما لم يثب منها" أي ما لم يعوض عنها.
٢٦٢٣ - حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ قَزَعَةَ حَدَّثَنَا مَالِكٌ عَنْ زَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ عَنْ أَبِيهِ سَمِعْتُ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ -رضي الله عنه- يَقُولُ: "حَمَلْتُ عَلَى فَرَسٍ فِي سَبِيلِ اللَّهِ، فَأَضَاعَهُ الَّذِي كَانَ عِنْدَهُ، فَأَرَدْتُ أَنْ أَشْتَرِيَهُ مِنْهُ، وَظَنَنْتُ أَنَّهُ بَائِعُهُ بِرُخْصٍ، فَسَأَلْتُ عَنْ ذَلِكَ النَّبِيَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَقَالَ: لَا تَشْتَرِهِ وَإِنْ أَعْطَاكَهُ بِدِرْهَمٍ وَاحِدٍ، فَإِنَّ الْعَائِدَ فِي صَدَقَتِهِ كَالْكَلْبِ يَعُودُ فِي قَيْئِهِ".
وبه قال: (حدّثنا يحيى بن قزعة) بفتح القاف والزاي المكي قال: (حدّثنا مالك) الإمام (عن زيد بن أسلم عن أبيه) أسلم مولى عمر بن الخطاب أنه (قال: سمعت عمر بن الخطاب- رضي الله عنه- يقول، حملت على فرس) أي تصدقت به ووهبته بأن يقاتل عليه (في سبيل الله) واسمه الورد وكان للنبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أعطاه له تميم الداري فأعطاه عمر (فأضاعه الذي كان عنده) بتقصيره في خدمته ومؤونته قال: عمر (فأردت أن أشتريه منه وظننت أنه بائعه برخص، فسألت عن ذلك النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فقال):
(لا تشتره) نهي للتنزيه (وإن أعطاكه بدرهم واحد) قال في الفتح: ويستفاد منه أنه لو وجده مثلاً يباع بأغلى من ثمنه ولم يتناوله النهي (فإن العائد في صدقته كالكلب يعود في قيئه) الفاء في فإن العائد للتعليل أي