الصدقة، الحديث، فأمره أن يصلّي ليراه بعض الناس وهو قائم، فيتصدق عليه.
ولأحمد: إن هذا الرجل دخل المسجد، في هيئة بزة، فأمرته أن يصلّي ركعتين، وأنا أرجو أن يتفطن له رجل فيتصدق عليه، وبأن تحية المسجد تفوت بالجلوس.
وأجيب، بأن الأصل عدم الخصوصية، والتعليل بقصد التصدق عليه لا يمنع القول بجواز التحية. وقد ورد ما يدل لعدم الانحصار في قصد التصدّق، وهو أنه ﵊ أمره
بالصلاة في الجمعة الثانية بعد أن حصل له في الأولى ثوبين، فدخل في الثاني، فتصدّق بأحدهما، فنهاه ﵊ عن ذلك، بل عند أحمد وابن حبان أنه كرّر أمره بالصلاة ثلاث جمع، وبأن التحية لا تفوت بالجلوس في حق الجاهل أو الناسي، فحال هذا الرجل الداخل محمولة في الأولى على أحدهما، وفي الأخرى على النسيان.
وبأن قوله للذي يتخطى رقاب الناس. "أجلس" أي: لا تتخطّ. أو ترك أمره بالتحية لبيان الجواز، فإنها ليست واجبة، أو لكون دخوله وقع في آخر الخطبة بحيث ضاق الوقت عن التحية، أو كان قد صلّى التحية في مؤخر المسجد، ثم تقدم ليقرب من سماع الخطبة، فوقع منه التخطّي، فأنكر عليه.
٣٣ - باب مَنْ جَاءَ وَالإِمَامُ يَخْطُبُ صَلَّى رَكْعَتَيْنِ خَفِيفَتَيْنِ
(باب مَن جاء والإمام يخطب) جملة حالية، و: مَنْ. في موضع رفع مبتدأ، وخبره قوله: (صلى ركعتين خفيفتين).
٩٣١ - حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ قَالَ: حَدَّثَنَا سُفْيَانُ عَنْ عَمْرٍو سَمِعَ جَابِرًا قَالَ: "دَخَلَ رَجُلٌ يَوْمَ الْجُمُعَةِ وَالنَّبِيُّ ﷺ يَخْطُبُ فَقَالَ: أَصَلَّيْتَ؟ قَالَ: لَا. قَالَ: فَصَلِّ رَكْعَتَيْنِ".
وبالسند قال: (حدّثنا علي بن عبد الله) المديني (قال: حدّثنا سفيان) بن عيينة (عن عمرو) هو: ابن دينار، أنه (سمع جابرًا) هو ابن عبد الله الأنصاري (قال دخل رجل يوم الجمعة والنبي ﷺ يخطب، فقال) له: (أصليت)؟ بهمزة الاستفهام ولأبوي ذر والوقت والأصيلي وابن عساكر، عن الحموي والكشميهني، فقال: صليت؟ (قال: لا. قال):
(فصلِّ). ولأبي ذر: ثم فصلِّ (ركعتين).
مطابقته للترجمة ظاهرة، لكن ليس فيه التقييد بكونهما خفيفتين.
نعم، جرى البخاري على عادته في الإشارة إلى بعض طرق الحديث فقد أخرجه في السُّنن من طريق أبي قرة، عن الثوري، عن الأعمش، عن أبي سفيان، عن جابر، بلفظ: "قم فاركع ركعتين خفيفتين". وعند مسلف "فيتجوّز فيهما"، كما مر.
تنبيه:
لو جاء في آخر الخطبة فلا يصلّي لئلا يفوته أوّل الجمعة مع الإمام.
قال في المجموع: وهذا محمول على تفصيل ذكره المحققون من أنه إن غلب على ظنه أنه إن صلاها فاتته تكبيرة الإحرام مع الإمام، لم يصلِّ التحية، بل يقف حتى تُقام الصلاة، ولا يقعد لئلا يكون جالسًا في المسجد قبل التحية.
قال ابن الرفعة: ولو صلاّها في هذه الحالة استحب للإمام أن يزيد في كلام الخطبة بقدر ما يكملها، فإن لم يفعل الإمام ذلك، قال في الأم: كرهته له، فإن صلاها وقد أقيمت الصلاة، كرهت ذلك له. اهـ.
٣٤ - باب رَفْعِ الْيَدَيْنِ فِي الْخُطْبَةِ.
(باب رفع اليدين في الخطبة).
٩٣٢ - حَدَّثَنَا مُسَدَّدٌ قَالَ: حَدَّثَنَا حَمَّادُ بْنُ زَيْدٍ عَنْ عَبْدِ الْعَزِيزِ عَنْ أَنَسٍ، وَعَنْ يُونُسَ عَنْ ثَابِتٍ عَنْ أَنَسٍ قَالَ: "بَيْنَمَا النَّبِيُّ ﷺ يَخْطُبُ يَوْمَ الْجُمُعَةِ إِذْ قَامَ رَجُلٌ فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ هَلَكَ الْكُرَاعُ وَهَلَكَ الشَّاءُ، فَادْعُ اللَّهَ أَنْ يَسْقِيَنَا. فَمَدَّ يَدَيْهِ وَدَعَا".
[الحديث ٩٣٢ - أطرافه في: ٩٣٣، ١٠١٣، ١٠١٤، ١٠١٥، ١٠١٦، ١٠١٧، ١٠١٨، ١٠١٩، ١٠٢١، ١٠٢٩، ١٠٣٣، ٣٥٨٢، ٦٠٩٣، ٦٣٤٢].
وبالسند قال: (حدّثنا مسدد) أي ابن مسرهد (قال: حدّثنا حماد بن زيد) بن درهم البصري (عن عبد العزيز) ولأبوي ذر والوقت، والأصيلي زيادة: ابن صهيب (عن أنس، وعن يونس) بن عبيد، عطف على الإسناد المذكور، أي:
وحدّثنا مسدّد أيضًا عن حماد بن زيد، عن يونس، وقد أخرجه أبو داود عن مسدّد أيضًا بالإسنادين معًا (عن ثابت، عن أنس) هو ابن مالك، (قال: بينما النبي ﷺ يخطب يوم الجمعة) ولأبوي ذر والوقت، والأصيلي، يوم جمعة (إذ قام رجل، فقال: يا رسول الله! هلك الكراع) بضم الكاف اسم لما يجمع من الخيل، (وهلك الشاء) بالواو في أوّله، أي: الغنم، ولأبوي ذر والوقت والأصيلي وابن عساكر، هلك الشاء (فادع الله) لنا (أن يسقينا).
(فمدَّ) ﵊ (يديه) بالتثنية، ولأبي ذر، فمدّ يده (ودعا) في الحديث الذي بعده، فرفع يديه، وهو موافق للترجمة، والظاهر أنه أراد أن يبين أن المراد بالرفع هنا المدّ، لا كالرفع الذي في الصلاة.
٣٥ - باب الاِسْتِسْقَاءِ فِي الْخُطْبَةِ يَوْمَ الْجُمُعَةِ
(باب الاستسقاء) وهو طلب السقيا، بضم السين، أي: المطر (في الخطبة يوم الجمعة).
٩٣٣ - حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ الْمُنْذِرِ قَالَ: حَدَّثَنَا الْوَلِيدُ قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو عَمْرٍو قَالَ حَدَّثَنِي إِسْحَاقُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي طَلْحَةَ عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ قَالَ: "أَصَابَتِ النَّاسَ سَنَةٌ عَلَى عَهْدِ النَّبِيِّ ﷺ فَبَيْنَا النَّبِيُّ ﷺ يَخْطُبُ فِي يَوْمِ جُمُعَةٍ قَامَ أَعْرَابِيٌّ فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، هَلَكَ الْمَالُ، وَجَاعَ الْعِيَالُ،
فَادْعُ اللَّهَ لَنَا. فَرَفَعَ يَدَيْهِ -وَمَا نَرَى فِي السَّمَاءِ قَزَعَةً- فَوَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ مَا وَضَعَهَا حَتَّى ثَارَ السَّحَابُ أَمْثَالَ الْجِبَالِ، ثُمَّ لَمْ يَنْزِلْ عَنْ مِنْبَرِهِ حَتَّى رَأَيْتُ الْمَطَرَ يَتَحَادَرُ عَلَى لِحْيَتِهِ ﷺ. فَمُطِرْنَا يَوْمَنَا ذَلِكَ، وَمِنَ الْغَدِ، وَبَعْدَ الْغَدِ، وَالَّذِي يَلِيهِ حَتَّى الْجُمُعَةِ الأُخْرَى. وَقَامَ ذَلِكَ الأَعْرَابِيُّ -أَوْ قَالَ غَيْرُهُ- فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ تَهَدَّمَ الْبِنَاءُ، وَغَرِقَ الْمَالُ، فَادْعُ اللَّهَ لَنَا. فَرَفَعَ يَدَيْهِ فَقَالَ: اللَّهُمَّ حَوَالَيْنَا وَلَا عَلَيْنَا. فَمَا يُشِيرُ بِيَدِهِ إِلَى نَاحِيَةٍ مِنَ السَّحَابِ إِلاَّ انْفَرَجَتْ، وَصَارَتِ الْمَدِينَةُ مِثْلَ الْجَوْبَةِ. وَسَالَ الْوَادِي قَنَاةُ شَهْرًا، وَلَمْ يَجِئْ أَحَدٌ مِنْ نَاحِيَةٍ إِلاَّ حَدَّثَ بِالْجَوْدِ".
وبالسند قال (حدّثنا إبراهيم بن المنذر) بن عبد الله بن المنذر الحزامي، بالزاي، الأسدي (قال: حدّثنا أبو الوليد) ولأبي ذر، والأصيلي، الوليد بن مسلم، أي، القرشي الدمشقي (قال: حدّثنا أبو عمرو) بفتح العين، عبد الرحمن، ولأبي ذر، والأصيلي: أبو عمرو الأوزاعي، نسبة إلى الأوزاع، قبائل شتى، أو بطن من ذي الكلاع من اليمن، أو الأوزاع