الخاء المعجمة وفتح التحتية والراء أي تخيير الرجل زوجته في الطلاق وعدمه (فقالت): ليس طلاقًا واستدلت لذلك بقولها (خيرنا النبي ﷺ) أي أزواجه فاخترنا (أفكان) تخييره (طلاقًا) استفهام على سبيل الإنكار.
(قال مسروق) بالإسناد السابق: (لا أبالي أخيرتها واحدة أو مائة بعد أن تختارني). واختلف فيما إذا اختارت نفسها هل تقع طلقة واحدة رجعية أم بائنًا أو تقع ثلاثًا؟ فقال المالكية: تقع ثلاثًا لأن معنى الخيار بتّ أحد الأمرين إما الأخذ أو الترك، فلو قلنا إذا اختارت نفسها تكون طلقة رجعية لم يعمل بمقتضى اللفظ لأنها تكون بعده في أسر الزوج. وقال الحنفية: واحدة بائنة. وقال الشافعية: التخيير كناية فإذا خيّر الزوج امرأته وأراد بذلك تخييرها بين أن تطلق منه وبين أن تستمرّ في عصمته فاختارت نفسها وأرادت بذلك الطلاق طلقت لقول عائشة: فاخترناه فلم يكن ذلك طلاقًا إذ مقتضاه أنها لو اختارت نفسها كان طلاقًا لكن مفهوم قوله تعالى: ﴿فتعالين أمتعكن وأسرحكن﴾ [الأحزاب: ٢٨] أي بعد الاختيار أن ذلك بمجرده لا يكون طلاقًا بل لا بدّ من إنشاء الزوج الطلاق فلو قالت لم أرد باختيار نفسي الطلاق صدّقت، فلو وقع التصريح بالتطليق يقع جزمًا. واختلفوا في التخيير هل هو بمعنى التمليك أو التوكيل، والصحيح عندنا أنه تمليك فلو قال الرجل لزوجته: طلّقي نفسك إن شئت فتمليك للطلاق لأنه يتعلق بغرضها فنزل منزلة قوله ملّكتك طلاقك، ويشترط أن يكون فورًا لتضمنه القبول وهو على الفور فلو أخّرت بقدر ما ينقطع به القبول عن الإيجاب ثم طلّقت لم يقع إلا إن قال: طلّقي نفسك متى شئت فلا يشترط الفور وللزوج الرجوع قبل التطليق ولا يصح تعليقه، فلو قال: إذا جاء الغد أو زيد مثلًا فطلّقي نفسك لغا. وقال المالكية والحنفية: لا يشترط الفور بل متى طلقت نفذ.
هذا (باب) بالتنوين في كنايات الطلاق وهي ما يحتمل الطلاق وغيره ولا يقع الطلاق بها إلا بالنية لأنها غير موضوعة للطلاق بل موضوعة لما هو أعمّ من حكمه والأعم في المادة الاستعمالية
يحتمل كلاًّ من ما صدقاته ولا يتعين أحدهما إلا بمعين والمعين في نفس الأمر هو النية وما ذكره المصنف في قوله:(إذا قال) أي الرجل لامرأته (فارقتك أو سرحتك أو الخلية) فعيلة بمعنى فاعلة أي خلية من الزوج وهو خالٍ منها (أو البرية) من الزوج مقتضاه أن لا صريح عنده إلا لفظ الطلاق وما تصرف منه وهو قول الشافعي في القديم لكن نص في الجديد على أن الصريح لفظ الطلاق والفراق والسراح لورود ذلك في القرآن بمعنى الطلاق (أو ما عني به الطلاق) بضم العين وغيره كاستبرئي رحمك أي فقد طلّقتك فاعتدّي وحبلك على غاربك أي خليت سبيلك كما يخلى البعير في الصحراء أو يترك زمامه على غاربه وهو ما تقدم من الظهور وارتفع من العنق وودعيني وبرئت منك (فهو على نيته) إن نوى الطلاق وقع وإلاّ فلا ويدل لذلك (قول الله ﷿ ولأبي ذر: وقول الله: (﴿وسرّحوهنّ سراحًا جميلًا﴾)[الأحزاب: ٤٩] أي بالمعروف وكأنه يريد أن التسريح هنا بمعنى الإرسال لا بمعنى الطلاق لأنه أمر من طلق قبل الدخول أن يمتع ويسرّح وليس المراد من الآية تطليقها بعد التطليق قطعًا (وقال) تعالى: (﴿وأسرّحكن سراحًا جميلًا﴾)[الأحزاب: ٢٨] فهو مجمل يحتمل التطليق والإرسال وإذا احتملت الأمرين انتهى أن تكون صريحة في الطلاق كذا قرّره في الفتح وتعقبه العيني بأن معنى أسرّحكن أطلقكنّ لأنه لم يسبق هنا طلاق فمن أين يأتي الاحتمال (وقال تعالى: ﴿فإمساك بمعروف أو تسريح بإحسان﴾)[البقرة: ٢٢٩] أي إن هذه الآية وردت بلفظ الفراق في موضع ورودها بالبقرة بلفظ السراح والحكم فيهما واحد لأنه ورد في الموضعين بعد وقوع الطلاق فالمراد به الإرسال (وقال) تعالى: (﴿أو فارقوهن بمعروف﴾)[الطلاق: ٢] لأن سياقها بعد وقوع الطلاق فلا يراد بها الطلاق بل الإرسال ومباحث هذا مقررة في محاله من دواوين الفقه.
(وقالت عائشة)﵂: مما وصله في آخر حديث في باب موعظة الرجل ابنته من كتاب