بكسر الموحدة قال الراوي: (وكانت وجوههم) أي أهل قباء (إلى الشام فاستداروا إلى القبلة). ولأبي ذر، في نسخة أيضًا إلى الكعبة.
٢١ - باب {إِنَّ الصَّفَا وَالْمَرْوَةَ مِنْ شَعَائِرِ اللَّهِ فَمَنْ حَجَّ الْبَيْتَ أَوِ اعْتَمَرَ فَلَا جُنَاحَ عَلَيْهِ أَنْ يَطَّوَّفَ بِهِمَا وَمَنْ تَطَوَّعَ خَيْرًا فَإِنَّ اللَّهَ شَاكِرٌ عَلِيمٌ}. شَعَائِرُ: عَلَامَاتٌ وَاحِدَتُهَا شَعِيرَةٌ. وَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: الصَّفْوَانُ: الْحَجَرُ وَيُقَالُ الْحِجَارَةُ الْمُلْسُ الَّتِي لَا تُنْبِتُ شَيْئًا وَالْوَاحِدَةُ صَفْوَانَةٌ بِمَعْنَى الصَّفَا، وَالصَّفَا لِلْجَمِيعِ
({إن الصفا}) ولأبي ذر قوله إن الصفا ({والمروة}) إن واسمها وثم محذوف أي أن طواف الصفا أو سعي الصفا أي الصفا والمروة علمين لجبلين معروفين واللام فيهما للغلبة والمروة الحجارة الصغار والخبر قوله: ({من شعائر الله}) أي من مناسك الحج ({فمن حج البيت أو اعتمر}) شرط في محل رفع الابتداء وحج في موضع جزم والبيت نصب على المفعول به لا على الظرف والجواب قوله: ({فلا جناح عليه أن يطوف بهما}) الإجماع على مشروعية الطواف بهما في الحج والعمرة، واختلف في وجوبه فعن مالك والشافعي أنه ركن لقوله عليه الصلاة والسلام: اسعوا فإن الله كتب عليكم السعي. رواه أحمد، وعن الإمام أحمد أنه سنّة لقوله تعالى: ({فلا جناح عليه}) فإنه يفهم منه التخيير وهو ضعيف لأن نفي الجناح يدل على الجواز الداخل في معنى الوجوب فلا يدفعه، وعن أبي حنيفة أنه واجب يجبر الدم ({ومن تطوع خيرًا}) فعل طاعة وخيرًا نصب على أنه صفة مصدر محذوف أي تطوع خيرًا ({فإن الله شاكر}) يقبل اليسير ويعطي الجزيل أو شاكر بقبول أعمالكم ({عليم}) [البقرة: ١٥٨] بالثواب لا يخفى عليه طاعتكم.
(شعائر): ولأبي ذر الشعار (علامات، واحدتها شعيرة) وهي العلامة، والأجود في شعائر الهمزة عكس معايش.
(وقال ابن عباس) رضي الله تعالى عنهما فيما وصله الطبري من طريق علي بن أبي طلحة عنه (الصفوان: الحجر، ويقال الحجارة الملس) بضم الميم وسكون اللام جمع أملس (التي لا تنبت شيئًا) أبدًا كذا قاله أهل اللغة (والواحدة) أي واحدة الصفوان (صفوانة بمعنى الصفا، والصفا) بالقصر (للجميع) وهي الصخرة الصماء وألف الصفا عن واو لقولهم صفوان والاشتقاق يدل عليه لأنه من الصفو، وسقط للحموي من قوله وقال ابن عباس الخ.
٤٤٩٥ - حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ يُوسُفَ أَخْبَرَنَا مَالِكٌ، عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ عَنْ أَبِيهِ، أَنَّهُ قَالَ: قُلْتُ لِعَائِشَةَ زَوْجِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وَأَنَا يَوْمَئِذٍ حَدِيثُ السِّنِّ أَرَأَيْتِ قَوْلَ اللَّهِ تَبَارَكَ وَتَعَالَى: {إِنَّ الصَّفَا وَالْمَرْوَةَ مِنْ شَعَائِرِ اللَّهِ فَمَنْ حَجَّ الْبَيْتَ أَوِ اعْتَمَرَ فَلَا جُنَاحَ عَلَيْهِ أَنْ يَطَّوَّفَ بِهِمَا} فَمَا أُرَى عَلَى أَحَدٍ شَيْئًا أَنْ لَا يَطَّوَّفَ بِهِمَا؟ فَقَالَتْ: عَائِشَةُ كَلَاّ. لَوْ كَانَتْ كَمَا تَقُولُ: كَانَتْ فَلَا جُنَاحَ عَلَيْهِ أَنْ لَا يَطَّوَّفَ بِهِمَا إِنَّمَا أُنْزِلَتْ هَذِهِ الآيَةُ فِي الأَنْصَارِ كَانُوا يُهِلُّونَ لِمَنَاةَ، وَكَانَتْ مَنَاةُ حَذْوَ قُدَيْدٍ، وَكَانُوا يَتَحَرَّجُونَ أَنْ يَطُوفُوا بَيْنَ الصَّفَا وَالْمَرْوَةِ، فَلَمَّا جَاءَ الإِسْلَامُ سَأَلُوا
رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- عَنْ ذَلِكَ فَأَنْزَلَ اللَّهُ {إِنَّ الصَّفَا وَالْمَرْوَةَ مِنْ شَعَائِرِ اللَّهِ فَمَنْ حَجَّ الْبَيْتَ أَوِ اعْتَمَرَ فَلَا جُنَاحَ عَلَيْهِ أَنْ يَطَّوَّفَ بِهِمَا} [البقرة: ١٥٨].
وبه قال: (حدّثنا عبد الله بن يوسف) التنيسي قال: (أخبرنا مالك) الإمام (عن هشام بن عروة عن أبيه) عروة بن الزبير بن العوّام (أنه قال: قلت لعائشة زوج النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وأنا يومئذ حديث السن أرأيت قول الله تبارك وتعالى: ({إن الصفا والمروة من شعائر الله فمن حج البيت أو اعتمر فلا جناح عليه أن يطوّف بهما} فما أرى) بضم الهمزة أي فما أظن ولأبي ذر فما أرى بفتحها (على أحد شيئًا) من الإثم (أن لا يطوف بهما) لأن مفهوم الآية أن السعي ليس بواجب لأنها دلت على رفع الجناح وهو الإثم وذلك يدل على الإباحة لأنه لو كان واجبًا لما قيل فيه مثل هذا (فقالت عائشة)، رادّة عليه قوله: (كلاّ لو كانت كما تقول كانت فلا جناح عليه أن لا يطوف بهما) بزيادة "لا" بعد "أن" فإنها كانت حينئذ تدل على رفع الإثم عن تاركه وذلك حقيقة المباح فلم يكن في الآية نص على الوجوب ولا عدمه ثم بينت أن الاقتصار فى الآية على نفي الإثم له سبب خاص فقالت: (إنما أنزلت هذه الآية في الأنصار كانوا) زاد في الحج قبل أن يسلموا (يهلون لمناة) بفتح الميم والنون المخففة مجرور بالفتحة للعلمية والتأنيث وسميت بذلك لأن النسائك كانت تمنى أي تراق عندها (وكانت مناة حذو قديد) بفتح الحاء المهملة وسكون الذال المعجمة آخره واو أي مقابل قديد بضم القاف وفتح الدال موضع من منازل طريق مكة إلى المدينة (وكانوا يتحرجون) أي يحترزون من الإثم (أن يطوفوا) بالتشديد وفي اليونينية بالتخفيف (بين الصفا والمروة) كراهية لصنمي غيرهم أساف الذي كان على الصفا ونائلة الذي كان بالمروة وحبهم صنمهم الذي بقديد، وكان ذلك سنّة في آبائهم من أحرم لمناة لم يطف بين الصفا والمروة (فلما جاء الإسلام سألوا رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- عن ذلك) الطواف بينهما (فأنزل الله) تعالى: ({إن الصفا والمروة من شعائر الله فمن حج البيت أو اعتمر فلا جناح عليه أن يطوّف بهما}).
وهذا الحديث سقط للحموي وقد سبق في باب وجوب الصفا والمروة من كتاب الحج مطولًا.
٤٤٩٦ - حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ يُوسُفَ، حَدَّثَنَا سُفْيَانُ عَنْ عَاصِمِ بْنِ سُلَيْمَانَ قَالَ: سَأَلْتُ أَنَسَ بْنَ مَالِكٍ -رضي الله عنه- عَنِ الصَّفَا وَالْمَرْوَةِ فَقَالَ: كُنَّا نَرَى أَنَّهُمَا مِنْ أَمْرِ الْجَاهِلِيَّةِ، فَلَمَّا كَانَ الإِسْلَامُ أَمْسَكْنَا عَنْهُمَا فَأَنْزَلَ اللَّهُ تَعَالَى: {إِنَّ الصَّفَا وَالْمَرْوَةَ مِنْ شَعَائِرِ اللَّهِ فَمَنْ حَجَّ الْبَيْتَ أَوِ اعْتَمَرَ فَلَا جُنَاحَ عَلَيْهِ}.
وبه قال: (حدّثنا محمد بن يوسف)