ولم أُولد) لأنه لما كان تعالى واجب الوجود ذاته قديمًا موجودًا قبل وجود الأشياء وكان كل مولود محدثًا انتفت عنه الوالدية ولما كان لا يشبهه أحد من خلقه ولا يجانسه حتى يكون له من جنسه صاحبة فيتوالد انتفت عنه الوالدية ولأبي ذر لم يلد ولم يولد (ولم يكن لي كفوًا أحد) أي مكافئًا ومماثلًا فلي متعلق بكفوًا وقدم عليه لأنه محط القصد بالنفي وأخر أحد وهو اسم يكن عن خبرها رعاية للفاصلة، وقوله لم يكن لي بعد قوله لم يلد التفات.
قال الشيخ عز الدّين بن عبد السلام -رحمه الله تعالى- السلوب الواجبة لله تعالى على قسمين أحدهما سلب نقيصة كالسنة والنوم والموت، والثاني ليس سلبًا للنقص بل سلبًا للمشارك في الكمال كسلب الشريك، وأما قوله تعالى: ﴿لم يلد ولم يولد﴾ فإنه سلب للنقص إذ الولد والوالد
لا يكونان إلا من جسمين وهما من الأغيار والأغيار نقص وإن كانا يدلان بالتزام على أن الولد مثل الوالد فيعود إلى سلب المشاركة في الكمال.
٢ - باب قَوْلِهِ: ﴿اللَّهُ الصَّمَدُ﴾
وَالْعَرَبُ تُسَمِّي أَشْرَافَهَا الصَّمَدَ، قَالَ أَبُو وَائِلٍ: هُوَ السَّيِّدُ الَّذِي انْتَهَى سُؤْدَدُهُ
(قوله: ﴿الله الصمد﴾) ولأبي ذر باب بالتنوين أي قوله ﷿: ﴿الله الصمد﴾ (والعرب تسمي أشرافها الصمد. قال أبو وائل): بالهمز شقيق بن سلمة مما وصله الفريابي (هو السيد الذي انتهى سُؤدَدُه) وقال ابن عباس: الذي تصمد إليه الخلائق في حوائجهم ومسائلهم وهو من صمد إذا قصد وهو الموصوف به على الإطلاق فإنه مستغنٍ عن غيره مطلقًا وكل ما عداه محتاج إليه في جميع جهاته. وقال الحسن وقتادة: هو الباقي بعد خلقه وعن الحسن الصمد الحي القيوم الذي لا زوال له، وعن عكرمة الذي لم يخرج منه شيء ولا يطعم، وعن الضحاك والسدي الذي لا جوف له! وعن عبد الله بن يزيد الصمد نور يتلألأ وكل هذه الأوصاف صحيحة في صفاته تعالى على ما لا يخفى.
٤٩٧٥ - حَدَّثَنَا إِسْحَاقُ بْنُ مَنْصُورٍ وَحَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ، أَخْبَرَنَا مَعْمَرٌ عَنْ هَمَّامٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: «كَذَّبَنِي ابْنُ آدَمَ وَلَمْ يَكُنْ لَهُ ذَلِكَ، وَشَتَمَنِي وَلَمْ يَكُنْ لَهُ ذَلِكَ، أَمَّا تَكْذِيبُهُ إِيَّايَ، أَنْ يَقُولَ إِنِّي لَنْ أُعِيدَهُ كَمَا بَدَأْتُهُ، وَأَمَّا شَتْمُهُ إِيَّايَ أَنْ يَقُولَ اتَّخَذَ اللَّهُ وَلَدًا، وَأَنَا الصَّمَدُ الَّذِي لَمْ أَلِدْ وَلَمْ أُولَدْ وَلَمْ يَكُنْ لِي كُفُوًا أَحَدٌ». ﴿لَمْ يَلِدْ وَلَمْ يُولَدْ * وَلَمْ يَكُنْ لَهُ كُفُؤًا أَحَدٌ﴾ ﴿كُفُوًا﴾ وَكَفِيئًا وَكِفَاءً وَاحِدٌ.
وبه قال: (حدّثنا إسحاق بن منصور) المروزي قال: (حدّثنا) ولأبي ذر: أخبرنا (عبد الرزاق) بن همام قال: (أخبرني معمر) هو ابن راشد (عن همام) هو ابن منبه (عن أبي هريرة) ﵁ أنه (قال: قال رسول الله ﷺ) زاد أبو ذر والوقت والأصيلي وابن عساكر. قال الله تعالى كما في الفرع كأصله.
(كذبني ابن آدم) المنكر للبعث (ولم يكن له ذلك) التكذيب (وشتمني ولم يكن له ذلك) الشتم، وثبت ذلك للكشميهني (أما) ولأبي ذر فأما (تكذيبه إيّاي أن يقول إني لن أعيده كما بدأته) بغير فاء قبل همزة أن، وبه استدلّ من جوّز حذف الفاء من جواب أما (وأما شتمه إيّاي أن يقول) بغير فاء أيضًا (اتخذ الله ولدًا وأنا الصمد الذي لم ألد ولم أُولد ولم يكن لي كفوًا أحد) ولأبي ذر عن الحموي والمستملي ولم يكن له على طريق الالتفات.
(﴿لم يلد ولم يُولد * ولم يكن له كفوًّا أحد﴾) قدّم لم يلدان كان العرف سبق المولود لأنه الأهم لقولهم ولد الله وقوله ولم يولد كالحجة على أنه لم يلد، وقال في هذه السورة لم يلد وفي الإسراء لم يتخذوا ولدًا لأن من النصارى من يقول عيسى ولد الله حقيقة ومنهم من يقول إن الله
اتخذه ولدًا تشريفًا فنفى الأمرين وسقط قوله لم يلد الخ لأبي ذر.
(﴿كفوًّا﴾) بضمتين (وكفيئًا) بفتح الكاف وبعد الفاء المكسورة تحتية فهمزة بوزن فعيل.
(وكفاء) بكسر الكاف وفتح الفاء ممدودًا (واحد) في المعنى. ونقل في فتوح الغيب عن الغزالي أنه قال: الواحد هو الواحد الذي هو مدفوع الشركة والأحد الذي لا تركيب فيه فالواحد نفي للشريك والمثل والأحد نفي للكثرة في ذاته فالصمد الغني المحتاج إليه غيره وهو أحدي الذات وواحديّ الصفات، لأنه لو كان له شريك في ملكه لما كان غنيًّا يحتاج إليه غيره بل كان محتاجًا في قوامه ووجوده إلى أجزاء تريبية فالصمد دليل على الوحدانية والأحدية، ولم يلد دليل على أن وجوده المستمر ليس مثل وجود الإنسان الذي يبقى نوعه بالتوالد والتناسل بل هو وجود مستمر أزلي ولم يولد دليل على أن وجوده ليس مثل وجود الإنسان الذي يتحصل بعد العدم، ويبقى دائمًا إما في جنة عالية لا يفنى وإما في هاوية لا ينقطع ولم يكن له كفوًّا أحد دليل على أن الوجود الحقيقي الذي له تعالى هو الوجود الذي يفيد وجود غيره ولا يستفيد هو