للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

وأما حقيقة المس والنخس كما يتوهم أهل الحشو فكلا ولو سلط إبليس على الناس ينخسهم لامتلأت الدنيا صراخًا وعياطًا اهـ.

قال المولى سعد الدين: طعن أوّلًا في الحديث بمجرّد أنه لم يوافق هواه وإلاّ فأي امتناع من أن يمس الشيطان المولود حين يولد بحيث يصرخ كما ترى وتسمع ولا يكون ذلك في جميع الأوقات حتى يلزم امتلاء الدنيا بالصراخ ولا تلك المسة للإغواء، وكفى بصحة هذا الحديث رواية التفات وتصحيح الشيخين له من غير قدح من غيرهما، وقال غيره: الحمل على طمع الشيطان في الإغواء صرف للكلام عن ظاهره وتكذيب لظاهر الخبر مع أنه لا مانع في العقل منه، وكيف تكون المحافظة عنده على قول ابن الرومي أولى من رعاية ظاهر كتاب الله تعالى وسنّة رسوله ، وهو هذيان ما أنزل الله به من سلطان.

وقال في الانتصاف: الحديث مدوّن في الصحاح فلا يعطله الميل إلى ترهات الفلاسفة والانتصار بقول ابن الرومي سوء أدب يجب أن يجتنب عنه. وقال الطيبي قوله: ما من مولود إلا والشيطان يمسه كقوله تعالى: ﴿وما أهلكنا من قرية إلا ولها كتاب معلوم﴾ [الحج: ٤] في أن الواو داخلة بين الصفة والموصوف لتأكد اللصوق فتفيد الحصر مع التأكيد فإذن لا معنى لقوله كل من كان في صفتهما ولا يبعد اختصاصهما بهذه الفضيلة من دون الأنبياء. وأما قوله تعالى: ﴿إلا عبادك منهم المخلصين﴾ [الحجر: ٤٠] فجوابه أي بعد أن يمكنه الله تعالى من المس مع أن الله تعالى يعصمهم من الإغواء، وأما الشعر فهو من باب حسن التعليل فلا يصلح للاستشهاد.

(ثم يقول أبو هريرة: واقرؤوا) بالواو ولأبي ذر اقرؤوا (إن شئتم ﴿وإني أعيذها بك وذريتها من الشيطان الرجيم﴾) وهذا فيه شيء من حيث إن سياق الآية يدل على أن دعاء حنة أم مريم بإعاذتها وذريتها من الشيطان المفسر في الحديث بأن يعصما من مس الشيطان عند ولادتهما متأخر عن وضعها مريم، ولم أر من نبه على هذا والذي يظهر لي أن تكون حنة علمت أنوثة مريم قبل تمام وضعها عند بروزها إلى ما يعلم منه ذلك فقالت حينئذٍ إني وضعتها أنثى وإني أعيذها فاستجيب لها، ثم تكامل وضعها فأراد الشيطان التمكن من مريم فمنعه الله تعالى منها ببركة دعاء أمها والتعبير بالبعض عن الكل سائغ شائع وليس في الآية دليل على أنه تعالى استجاب دعاءها بل

الضمير في قوله تعالى: ﴿فتقبلها ربها﴾ [آل عمران: ٣٧] لمريم أي فرَضي بها ربها في النذر مكان الذكر نعم الحديث يدل على الإجابة فتأمل.

وهذا الحديث قد سبق في أحاديث الأنبياء في باب: ﴿واذكر في الكتاب مريم﴾ [مريم: ١٦].

٣ - باب ﴿إِنَّ الَّذِينَ يَشْتَرُونَ بِعَهْدِ اللَّهِ وَأَيْمَانِهِمْ ثَمَنًا قَلِيلًا أُولَئِكَ لَا خَلَاقَ لَهُمْ﴾ لَا خَيْرَ ﴿لَهُمْ فِي الآخِرَةِ وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ﴾ مُؤْلِمٌ مُوجِعٌ مِنَ الأَلَمِ وَهْوَ فِي مَوْضِعِ مُفْعِلٍ

هذا (باب) بالتنوين في قوله تعالى: (﴿إن الذين يشترون﴾) أي يستبدلون (﴿بعهد الله﴾) بما عاهدوا عليه من الإيمان بالرسول وذكر صفته للناس وبيان أمره (﴿وأيمانهم﴾) أي وبما حلفوا به من قولهم والله لنؤمنن به (﴿ثمنًا قليلًا﴾) متاع الدنيا (﴿أولئك لا خلاق﴾) أي (لا خير ﴿لهم في الآخرة ولهم عذاب أليم﴾) [آل عمران: ٧٧] أي (موّلم) أي (موجع) بكسر الجيم (من الألم وهو في موضع مفعل) بضم الميم وكسر العين وسقط لأبي ذر أولئك ولهم.

٤٥٤٩ - ٤٥٥٠ - حَدَّثَنَا حَجَّاجُ بْنُ مِنْهَالٍ، حَدَّثَنَا أَبُو عَوَانَةَ، عَنِ الأَعْمَشِ عَنْ أَبِي وَائِلٍ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ : «مَنْ حَلَفَ يَمِينَ صَبْرٍ لِيَقْتَطِعَ بِهَا مَالَ امْرِئٍ مُسْلِمٍ لَقِيَ اللَّهَ وَهْوَ عَلَيْهِ غَضْبَانُ» فَأَنْزَلَ اللَّهُ تَصْدِيقَ ذَلِكَ ﴿إِنَّ الَّذِينَ يَشْتَرُونَ بِعَهْدِ اللَّهِ وَأَيْمَانِهِمْ ثَمَنًا قَلِيلًا أُولَئِكَ لَا خَلَاقَ لَهُمْ فِي الآخِرَةِ﴾ إِلَى آخِرِ الآيَةِ. قَالَ: فَدَخَلَ الأَشْعَثُ بْنُ قَيْسٍ وَقَالَ: مَا يُحَدِّثُكُمْ أَبُو عَبْدِ الرَّحْمَنِ قُلْنَا: كَذَا وَكَذَا قَالَ فِيَّ أُنْزِلَتْ كَانَتْ لِي بِئْرٌ فِي أَرْضِ ابْنِ عَمٍّ لِي قَالَ النَّبِيُّ : «بَيِّنَتُكَ أَوْ يَمِينُهُ» فَقُلْتُ إِذًا يَحْلِفَ يَا رَسُولَ اللَّهِ فَقَالَ النَّبِيُّ : «مَنْ حَلَفَ عَلَى يَمِينِ صَبْرٍ يَقْتَطِعُ بِهَا مَالَ امْرِئٍ مُسْلِمٍ وَهْوَ فِيهَا فَاجِرٌ لَقِيَ اللَّهَ وَهْوَ عَلَيْهِ غَضْبَانٌ».

وبه قال: (حدّثنا حجاج بن منهال) بكسر الميم السلمي البرساني البصري قال: (حدّثنا أبو عوانة) الوضاح بن عبد الله اليشكري (عن الأعمش) سليمان بن مهران (عن أبي وائل) شقيق بن سلمة (عن عبد الله بن مسعود رضي الله تعالى عنه) أنه (قال: قال رسول الله ):

(من حلف يمين صبر) بإضافة يمين إلى صبر لما بينهما من الملابسة. قال عياض: أي أكره حتى حلف أو حلف جراءة وإقدامًا لقوله تعالى: ﴿فما أصبرهم على النار﴾ [البقرة: ١٧٥] (ليقتطع) وللكشميهني ليقطع بحذف الفوقية التي بعد القاف (بها مال امرئ مسلم) أو ذمي أو معاهد أو حقًا من حقوقهم (لقي الله وهو عليه غضبان) اسم فاعل من الغضب والمراد لازمه كالعذاب والانتقام (فأنزل الله تصديق ذلك ﴿إن الذين يشترون بعهد الله وأيمانهم ثمنًا قليلًا

أولئك لا خلاق لهم في الآخرة﴾) إلى آخر الآية.

(قال: فدخل الأشعث بن قيس) الكندي (وقال: ما يحدثكم) أي أي شيء يحدثكم

<<  <  ج: ص:  >  >>