قوله في حديث عائشة الآتي في باب الركعتين قبل الظهر: "كان لا يدع أربعًا قبل الظهر" لأنه كان تارة يصلّي أربعًا وتارة ركعتين. أو كان يصلّي اثنتين في بيته، واثنتين في المسجد. أو غير ذلك، مما يأتي إن شاء الله تعالى، (وسجدتين بعد) صلاة (الظهر).
وقيل: من الرواتب أربع بعد الظهر، لحديث الترمذي، وصححه، من حافظ على أربع ركعات قبل الظهر، وأربع بعدها حرمه الله على النار.
(وسجدتين بعد) صلاة (المغرب، وسجدتين بعد) صلاة (العشاء، وسجدتين بعد) صلاة (الجمعة) هذا الذي أخذ به في الروضة.
وبحديث مسلم: إذا صلّى أحدكم الجمعة فليصل بعدها أربعًا، كما في المنهاج. المراد: بالسجدتين، في كلها: ركعتان، و: بمع، التبعية في الاشتراك في فعلها لا أنه اقتدى به فيها. (فأما المغرب والعشاء) أي: سنتاهما (ففي بيته) المقدس كان يصلّيهما.
قيل: لأن فعل النوافل الليلية في البيوت أفضل من المسجد بخلاف النهارية.
وأجيب: بأن الظاهر أنه، ﵊، إنما فعل تلك لتشاغله بالناس في النهار غالبًا وبالليل يكون في بيته. اهـ.
وحديث الصحيحين: "صلوا أيها الناس في بيوتكم. إن أفضل الصلاة صلاة المرء في بيته إلاّ المكتوبة". يدل لأفضلية النوافل في البيت مطلقًا. نعم، تفضل نوافل في المسجد منها: راتبة الجمعة، ونوافل يومها. لفضل التبكير، والتأخير لطلب الساعة. نص على نحوه في الأم وذكره غيره.
وقسيم: أما، التفصيلية في قوله: فأما المغرب والعشاء، محذوف يدل عليه السياق، أي: وأما سنن المكتوبات الباقية ففي المسجد.
لا يقال: إن بين قوله في حديث ابن عمر السابق في باب الصلاة بعد الجمعة إنه ﵊ كان لا يصلّي بعد الجمعة حتى ينصرف، وبين ما هنا تناف؟ لأن الانصراف أعم من الانصراف إلى البيت.
ولئن سلمنا، فالاختلاف إنما كان لبيان جواز الأمرين.
١١٧٣ - وَحَدَّثَتْنِي أُخْتِي حَفْصَةُ "أَنَّ النَّبِيَّ ﷺ كَانَ يُصَلِّي سَجْدَتَيْنِ خَفِيفَتَيْنِ بَعْدَ مَا يَطْلُعُ الْفَجْرُ وَكَانَتْ سَاعَةً لَا أَدْخُلُ عَلَى النَّبِيِّ ﷺ فِيهَا". وَقَالَ ابْنُ أَبِي الزِّنَادِ عَنْ مُوسَى بْنِ عُقْبَةَ عَنْ نَافِعٍ "بَعْدَ الْعِشَاءِ فِي أَهْلِهِ". تَابَعَهُ كَثِيرُ بْنُ فَرْقَدٍ وَأَيُّوبُ عَنْ نَافِعٍ.
قال عبد الله بن عمر بن الخطاب: (وحدّثتني أختي حفصة) زوج النبي ﷺ (أن النبي ﷺ كان يصلّي سجدتين) وللكشميهني: ركعتين (خفيفتين بعدما يطلع الفجر).
قال ابن عمر: (وكانت) أي الساعة التي بعد طلوع الفجر (ساعة لا أدخل على النبي ﷺ فيها) لأنه لم يكن يشتغل فيها بالخلق، وهذا يدل على أنه إنما أخذ عن حفصة وقت إيقاع الركعتين اللتين قبل الصبح، لا أصل مشروعيتهما.
وقد تقدم في: أواخر الجمعة، من رواية مالك عن نافع، وليس فيه ذكر الركعتين اللتين قبل الصبح أصلاً، قاله ابن حجر.
(وقال ابن أبي الزناد) بكسر الزاي، وتخفيف النون، عبد الرحمن بن أبي الزناد اسمه عبد الله بن ذكوان (عن موسى بن عقبة) بضم العين وسكون القاف (عن نافع) أي: عن ابن عمر أنه قال: (بعد العشاء في أهله) بدل قوله في الحديث في بيته.
(تابعه) أي تابع عبيد الله المذكور (كثير بن فرقد) بفتح الفاء والقاف بينهما راء ساكنة (و) تابعه أيضًا (أيوب) السختياني (عن نافع). كذا عند أبي ذر، والأصيلي بتقديم: قال ابن أبي الزناد، على قوله: تابعه. ولغيره تأخيره. ووقع في بعض النسخ بعد قوله: أما المغرب والعشاء ففي بيته. قال ابن أبي الزناد … إلى آخره. وبعده قوله: تابعه كثير إلى آخره.
٣٠ - باب مَنْ لَمْ يَتَطَوَّعْ بَعْدَ الْمَكْتُوبَةِ
(باب من لم يتطوع بعد المكتوبة).
١١٧٤ - حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ قَالَ حَدَّثَنَا سُفْيَانُ عَنْ عَمْرٍو قَالَ سَمِعْتُ أَبَا الشَّعْثَاءِ جَابِرًا قَالَ: سَمِعْتُ ابْنَ عَبَّاسٍ ﵁ قَالَ: "صَلَّيْتُ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ ثَمَانِيًا جَمِيعًا وَسَبْعًا جَمِيعًا" قُلْتُ: يَا أَبَا الشَّعْثَاءِ، أَظُنُّهُ أَخَّرَ الظُّهْرَ وَعَجَّلَ الْعَصْرَ، وَعَجَّلَ الْعِشَاءَ وَأَخَّرَ الْمَغْرِبَ. قَالَ: وَأَنَا أَظُنُّهُ.
وبه قال: (حدّثنا علي بن عبد الله) المديني (قال: حدّثنا سفيان) بن عيينة (عن عمرو) بفتح العين ابن دينار (قال: سمعت أبا الشعثاء) بفتح الشين المعجمة وسكون المهملة وبالمثلثة، ممدودًا (جابرًا) هو: ابن زيد (قال: سمعت ابن عباس ﵄، قال: صليت مع رسول الله) وفي بعض الأصول: مع النبي ﷺ (ثمانيًا) أي: ثمان ركعات، الظهر والعصر (جميعًا) لم يفصل بينهما بتطوع ولو فصل لزم عدم الجمع بينهما فصدق أنه صلّى الظهر ولم يتطوع بعدها (وسبعًا) المغرب والعشاء (جميعًا) لم يفصل بينهما بتطوع، فلم يتطوع بعد المغرب. وأما التطوع بعد الثانية فمسكوت عنه، وكذا التطوع قبل الأولى محتمل.
قال عمرو بن دينار: (قلت: يا أبا الشعثاء! أظنه) ﵊ (أخر الظهر، وعجل العصر، وعجل العشاء، وأخر المغرب)؟
(قال) أبو الشعثاء: (وأنا أظنه) عليه الصلاة