حيث قال: ليس في قصة المدبر بيع المزايدة فإن بيع المزايدة أن يعطي به واحد ثمنًا ثم يعطي به غيره زيادة. (فاشتراه نعيم بن عبد الله) بضم النون وفتح العين النحام بفتح النون والحاء المهملة المشددة العدوي القرشي، ووصف بالنحام لأن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قال: "دخلت الجنة فسمعت نحمة نعيم فيها". والنحمة: السعلة أسلم قديمًا وأقام بمكة إلى قبيل الفتح وكان قومه يمنعونه من الهجرة لشرفه فيهم لأنه كان ينفق عليهم فقالوا: أقم عندنا على أيّ دين شئت. ولما قدم على النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- اعتنقه وقبّله واستشهد يوم اليرموك سنة خمس عشرة. (بكذا وكذا) ثمانمائة درهم (فدفعه إليه) أي
دفع عليه الصلاة والسلام الثمن الذي بيع به المدبر المذكور لمدبره أو دفع المدبر لمشتريه نعيم وقول العيني أي دفع الثمن إلى الرجل وهو نعيم بن عبد الله سهو لا يخفى، وقد وقع في رواية مسلم وأبي داود والنسائي من طريق أيوب عن أبي الزبير ما يعين أن الضمير للثمن ولفظه فاشتراه نعيم بن عبد الله بثمانمائة درهم فدفعها إليه. وفي رواية مسلم والنسائي من طريق الليث عن أبي الزبير فدفعها إليه ثم قال: ابدأ بنفسك فتصدق عليها. وفي رواية النسائي من وجه آخر عن إسماعيل بن أبي خالد ودفع ثمنه إلى مولاه، وأما ما وقع في رواية الترمذي فمات ولم يترك مالاً غيره فهو مما نسب فيه ابن عيينة إلى الخطأ ولم يكن سيده مات كما وقع مصرّحًا به في الأحاديث الصحيحة وفيه جواز بيع المدبر وهو قول الشافعي وأحمد، وذهب أبو حنيفة ومالك إلى المنع وتأتي إن شاء الله تعالى مباحث ذلك في موضعه بحول الله وقوته.
وهذا الحديث أخرجه المؤلّف في الاستقراض، وكذا أخرجه مسلم وأبو داود والترمذي والنسائي وابن ماجة.
٦٠ - باب النَّجْشِ. وَمَنْ قَالَ: لَا يَجُوزُ ذَلِكَ الْبَيْعُ
وَقَالَ ابْنُ أَبِي أَوْفَى: "النَّاجِشُ آكِلُ رِبًا خَائِنٌ". وَهْوَ خِدَاعٌ بَاطِلٌ لَا يَحِلُّ.
قَالَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- "الْخَدِيعَةُ فِي النَّارِ، وَمَنْ عَمِلَ عَمَلاً لَيْسَ عَلَيْهِ أَمْرُنَا فَهْوَ رَدٌّ".
(باب النجش) بفتح النون وسكون الجيم وفتحها وهو في اللغة تنفير الصيد واستثارته من مكانه ليصاد يقال: نجشت الصيد أنجشه بالضم نجشًا وفي الشرع أن يزيد في ثمن السلعة من غير رغبة ليوقع غيره فيها وقيد الإمام وغيره ذلك بالزيادة على ما يساويه المبيع، وقضيته أنه لو زاد عند نقص القيمة ولا رغبة له جاز وكلام الأصحاب يخالفه ولا خيار للمشتري لتفريطه حيث لم يتأمل ولم يراجع أهل الخبرة ويقع النجش أيضًا بمواطأة الناجش البائع فيشتركان في الإثم ويقع بغير علم البائع فيختص بذلك الناجش وقد يختص به البائع كأن يقول: أعطيت في المبيع كذا والحال بخلافه أو أنه اشتراه أكثر مما اشتراه ليوقع غيره ولا خيار للمشتري.
(و) باب (من قال: لا يجوز ذلك البيع) الذي وقع بالنجش وهو مشهور مذهب الحنابلة إذا كان بمواطأة البائع أو صنعه، والمشهور عند المالكية في مثل ذلك ثبوت الخيار، والأصح عند الشافعية وهو قول الحنفية صحة البيع مع الإثم والتحريم في جميع المناهي شرطه العلم بها إلا في النجش لأنه خديعة وتحريم الخديعة واضح لكل أحد وإن لم يعلم هذا الحديث بخصوصه بخلاف البيع على بيع أخيه إنما يعرف من الخبر الوارد فيه فلا يعرفه من لا يعرف الخبر. قال الرافعي: ولك أن تقول هو إضرار معلوم من العمومات والوجه تخصيص المعصية بمن عرف التحريم بعموم أو خصوص وأقرّه عليه النووي وهو ظاهر بل نقل البيهقي عن الشافعي أن النجش كغيره من المناهي.
(وقال ابن أبي أوفى) عبد الله في حديث أورده المؤلّف في الشهادات في باب قوله تعالى: {إن الذين يشترون بعهد الله وأيمانهم ثمنًا قليلاً} [آل عمران: ٧٧] (الناجش أكل ربًا) أي كآكله، ولأبي ذر عن الحموي والمستملي: آكل الربا بالتعريف (خائن) لكونه غاشًّا وهو خبر بعد خبر. قال المؤلّف: (وهو خداع) بكسر الخاء المعجمة أي مخادعة (باطل) غير حق (لا يحل) فعله وهذا قاله المؤلّف تفقهًا وليس من كلام عبد الله بن أبي أوفى.
(قال النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- الخديعة) أي صاحبها (في النار) رواه ابن عدي في كامله. وقال -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فيما وصله المؤلّف في كتاب الصلح من حديث عائشة -رضي الله عنها-: (ومن عمل عملاً) بكسر الميم في الأول وفتحها في الثاني (ليس عليه أمرنا فهو ردّ) أي مردود عليه فلا يقبل منه.
٢١٤٢ - حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مَسْلَمَةَ حَدَّثَنَا مَالِكٌ عَنْ نَافِعٍ عَنِ ابْنِ عُمَرَ -رضي الله عنهما- قَالَ: "نَهَى النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- عَنِ النَّجْشِ". [الحديث ٢١٤٢ - طرفه في: ٦٩٦٣].
وبه قال: (حدّثنا