بعضًا) بيان لوجه التشبيه وللكشميهنى يشد بعضهم بعضًا بميم الجمع (وشبك) عليه الصلاة والسلام (بين أصابعه) كالبيان للوجه أي شدًّا مثل هذا الشد وفيه تعظيم حقوق المسلمين بعضهم لبعض وحثّهم على التراحم والملاطفة والتعاضد، والمؤمن إذا شدّ المؤمن فقد نصره والله أعلم.
٦ - باب الاِنْتِصَارِ مِنَ الظَّالِم، لِقَوْلِهِ جَلَّ ذِكْرُهُ: {لَا يُحِبُّ اللَّهُ الْجَهْرَ بِالسُّوءِ مِنَ الْقَوْلِ إِلَاّ مَنْ ظُلِمَ وَكَانَ اللَّهُ سَمِيعًا عَلِيمًا}. {وَالَّذِينَ إِذَا أَصَابَهُمُ الْبَغْيُ هُمْ يَنْتَصِرُونَ}. قَالَ إِبْرَاهِيمُ: كَانُوا يَكْرَهُونَ أَنْ يُسْتَذَلُّوا، فَإِذَا قَدَرُوا عَفَوْا.
(باب الانتصار من الظالم لقوله جل ذكره) في سورة النساء: ({لا يحب الله الجهر بالسوء من القول إلاّ من ظلم}) أي إلا جهر من ظلم بالدعاء على الظالم والتظلّم منه، وعن السدي نزلت في رجل نزل بقوم فلم يضيفوه فرخص له أن يقول فيهم ونزولها في واقعة عين لا يمنع حملها على عمومها. وعن ابن عباس -رضي الله عنهما- المراد بالجهر من القول الدعاء فرخص للمظلوم أن يدعو على من ظلمه ({وكان الله سميعًا) لكلام المظلوم ({عليمًا}) [النساء: ١٤٨] بالظالم ولقوله تعالى في سورة الشورى: ({والذين إذا أصابهم البغي}) يعني الظلم ({هم ينتصرون}) [الشورى: ٣٩] ينتقمون ويقتصّون.
(قال إبراهيم) النخعي مما وصله عبد بن حميد وابن عيينة في تفسيرهما (كانوا) أي السلف (يكرهون أن يستذلوا) بضم الياء وفتح التاء والمعجمة من الذل (فإذا قَدَروا) بفتح الدال المهملة (عفوا) عمّن بغى عليهم.
٧ - باب عَفْوِ الْمَظْلُومِ، لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {إِنْ تُبْدُوا خَيْرًا أَوْ تُخْفُوهُ أَوْ تَعْفُوا عَنْ سُوءٍ فَإِنَّ اللَّهَ كَانَ عَفُوًّا قَدِيرًا} [النساء: ١٤٩]. {وَجَزَاءُ سَيِّئَةٍ سَيِّئَةٌ مِثْلُهَا فَمَنْ عَفَا وَأَصْلَحَ فَأَجْرُهُ عَلَى اللَّهِ إِنَّهُ لَا يُحِبُّ الظَّالِمِينَ * وَلَمَنِ انْتَصَرَ بَعْدَ ظُلْمِهِ فَأُولَئِكَ مَا عَلَيْهِمْ مِنْ سَبِيلٍ * إِنَّمَا السَّبِيلُ عَلَى الَّذِينَ يَظْلِمُونَ النَّاسَ وَيَبْغُونَ فِي الأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ أُولَئِكَ لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ * وَلَمَنْ صَبَرَ وَغَفَرَ إِنَّ ذَلِكَ لَمِنْ عَزْمِ الأُمُورِ ... } {وَتَرَى الظَّالِمِينَ لَمَّا رَأَوُا الْعَذَابَ يَقُولُونَ هَلْ إِلَى مَرَدٍّ مِنْ سَبِيلٍ}. [الشورى: ٤٠ - ٤٤].
(باب عفو المظلوم) عمن ظلمه (لقوله تعالى) في سورة النساء: ({إن تبدوا خيرًا) طاعةً وبرًّا ({أو تخفوه}) أي تفعلوه سرًّا ({أو تعفوا عن سوء}) لكم المؤاخذة عليه وهو المقصود وذكر إبداء الخير وإخفائه تسبيب له ولذلك رتب عليه قوله: ({فإن الله كان عفوًّا قديرًا) [النساء: ١٤٩] أي يكثر العفو عن العصاة مع كمال قدرته على الانتقام فأنتم أولى بذلك وهو حثّ للمظلوم على العفو بعدما رخص له في الانتصار حملاً على مكارم الأخلاق، وقوله تعالى في سورة حم عسق: ({وجزاء سيئة سيئة مثلها}) وسمى الثانية سيئة للازدواج ولأنها تسوء من تنزل به ({فمن عفا وأصلح}) بينه وبين خصمه بالعفو والإغضاء ({فأجره على الله}) عدة مبهمة لا يقاس أمرها في العظم ({إنه لا يحب الظالمين}) المبتدئين بالسيئة والمتجاوزين في الانتقام ({ولمن انتصر بعد ظلمه}) بعدما ظلم فهو من إضافة المصدر إلى المفعول ({فأولئك ما عليهم من سبيل}) من مأثم ({إنما السبيل}) يعني الإثم والحرج ({على الذين يظلمون الناس}) يبتدئونهم بالإضرار يطلبون ما لا يستحقونه تجبّرًا عليهم ({ويبغون في الأرض بغير الحق أولئك لهم عذاب أليم}) على ظلمهم وبغيهم ({ولمن صبر}) على الأذى ولم يقتص من صاحبه ({وغفر}) تجاوز عنه وفوّض أمره إلى الله ({إن ذلك}) الصبر والتجاوز ({لمن عزم الأمور}) [الشورى: ٤٠ - ٤١، ٤٢ - ٤٣] أي إن ذلك منه فحذف للعلم به كما حذف في قولهم السمن منوان بدرهم.
ويحكى أن رجلاً سبّ رجلاً في مجلس الحسن -رحمه الله- فكان المسبوب يكظم ويعرق فيمسح العرق ثم قام فتلا هذه الآية فقال الحسن: عقلها والله وفهمها إذ ضيعها الجاهلون.
وفي حديث أبي هريرة عند الإمام أحمد وأبي داود أن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قال لأبي بكر: "ما من عبد ظلم مظلمة فعفا عنها إلا أعز الله بها نصره" وقد قالوا: العفو مندوب إليه ثم قد ينعكس الأمر في بعض الأحوال فيرجع ترك العفو مندوبًا إليه، وذلك إذا احتيج إلى كف زيادة البغي وقطع مادة الأذى، وسقط من الفرع قوله تعالى: {ومن يضلل الله فما له من ولي من بعده} أي من ناصر يتولاه من بعد خذلان الله له وثبت فيه قوله تعالى: ({وترى الظالمين لما رأوا العذاب}) حين يرونه فذكره بلفظ الماضي تحقيقًا ({يقولون هل إلى مرد من سبيل}) [الشورى: ٤٤] أي إلى رجعة إلى الدنيا. وفي رواية أبي ذر {فأجره على الله إنه لا يحب الظالمين} إلى قوله: {مردّ من سبيل} فأسقط ما ثبت في رواية غيره.
٨ - باب الظُّلْمُ ظُلُمَاتٌ يَوْمَ الْقِيَامَةِ
هذا (باب) بالتنوين (الظلم ظلمات يوم القيامة).
٢٤٤٧ - حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ يُونُسَ حَدَّثَنَا عَبْدُ الْعَزِيزِ الْمَاجِشُونُ أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ دِينَارٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ -رضي الله عنهما- عَنِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ: «الظُّلْمُ ظُلُمَاتٌ يَوْمَ الْقِيَامَةِ».
وبه قال: (حدّثنا أحمد بن يونس) هو أحمد بن عبد الله بن يونس أبو عبد الله التميمي اليربوعي الكوفي قال: (حدّثنا عبد العزيز) بن عبد الله بن أبي سلمة واسمه دينار (الماجشون) بكسر الجيم وبالشين
المعجمة المضمومة قال: (أخبرنا عبد الله بن دينار عن عبد الله بن عمر -رضي الله عنهما- عن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) أنه (قال):
(الظلم) بأخذ مال الغير بغير حق أو التناول من عرضه أو نحو ذلك