على قوّة محافظته على ما سمعه من شيوخه (عن عبيد الله) بضم العين (ابن عبد الله) بفتحها (ابن أبي ثور) بالمثلثة القرشي النوفلي التابعي (عن عبد الله بن عباس عن عمر) بن الخطاب رضي الله عنه أنه (قال):
(كنت أنا وجار لي) بالرفع عطفًا على الضمير المنفصل المرفوع وهو أنا وإنما أظهره لصحة العطف لئلا يلزم عطف الاسم على الفعل وهو جائز عند الكوفيين من غير إعادة الضمير، ويجوز النصب على معنى المعية، واسم الجار عتبان بن مالك بن عمرو بن العجلان الأنصاري الخزرجي كما أفاده الشيخ قطب الدين القسطلاني فيما ذكره الحافظ ابن حجر ولم يذكر غيره وعند أبن بشكوال، وذكره البرماوي أنه أوس بن خولي، وعلل بأن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- آخى بينه وبين عمر لكن لا يلزم من المؤاخاة الجوار (من الأنصار) الكائنين أو المستقرين أو النازلين (في) موضع أو قبيلة (بني) وفي
رواية من بني (أمية بن زيد وهي) أي القبيلة، وفي رواية ابن عساكر وهو أي الموضع (من عوالي المدينة) قرى شرقيّ المدينة بين أقربها وبينها ثلاثة أميال أو أربعة وأبعدها ثمانية (وكنا نتناوب النزول) بالنصب على المفعولية (على رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- ينزل) جاري الأنصاري (يومًا) بالنصب على الظرفية من العوالي إلى رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- لتعلم العلم (وأنزل يومًا) كذلك (فإذا نزلت) أنا (جئته) جواب فإذا لما فيها من معنى الشرط (بخبر ذلك اليوم من الوحي وغيره، وإذا نزل) جاري (فعل) معي (مثل ذلك فنزل صاحبي الأنصاري) بالرفع صفة لصاحبي (يوم نوبته) أي يومًا من أيام نوبته، فسمع أن رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- اعتزل زوجاته فرجع إلى العوالي فجاء (فضرب بابي ضربًا شديدًا فقال أثم هو) بفتح المثلثة وتشديد الميم اسم يشار به إلى المكان البعيد (ففزعت) بكسر الزاي أي خفت لأجل الضرب الشديد فإنه كان على خلاف العادة فالفاء تعليلية، وللمؤلف في التفسير -كما سيأتي إن شاء الله تعالى- قال عمر رضي الله عنه: كنا نتخوّف ملكًا من ملوك غسان ذكر لنا أنه يريد أن يسير إلينا وقد امتلأت صدورنا منه فتوهمت لعله جاء إلى المدينة فخفته لذلك (فخرجت إليه، فقال: قد حدث أمر عظيم) طلَّق رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- نساءه. قلت: قد كنت أظن أنّ هذا كائن حتى إذا صليت الصبح شددت عليَّ ثيابي ثم نزلت (فدخلت على حفصة) أم المؤمنين، فالداخل عليها أبوها عمر لا الأنصاري وقضية حذف طلق إلى قوله فدخلت يوهم أنه من قول الأنصاري، فالفاء في فدخلت فصيحة تفصح عن المقدر أي نزلت من العوالي فجئت إلى المدينة فدخلت، وفي رواية الحموي والمستملي دخلت، وللأصيلي قال فدخلت على حفصة، (فإذا هي تبكي فقلت: طلقكن) وفي رواية لابن عساكر وأبي ذر عن الكشميهني أطلقكن (رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-؟ قالت) حفصة: (لا أدري) أي لا أعلم أنه طلق (ثم دخلت على النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فقلت وأنا قائم) يا رسول الله: (أطلقت نساءك) بهمزة الاستفهام كما في فرع اليونينية كهي، وقال العيني بحذفها (قال) عليه الصلاة والسلام: (لا. فقلت) وللأصيلي قلت: (الله أكبر) تعجبًا من كون الأنصاري ظن أن اعتزاله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- عن نسائه طلاق أو ناشئ عنه، والمقصود من إيراده لهذا الحديث هنا التناوب في العلم اهتمامًا بشأنه، لكن قوله كنت أنا وجار لي من الأنصار نتناوب النزول ليس في رواية ابن وهب إنما هو في رواية شعيب كما نص عليه الذهلي والدارقطني والحاكم في آخرين. وفي هذا الحديث رواية تابعي عن تابعي وصحابي عن صحابي والتحديث والإخبار والعنعنة، وأخرجه المؤلف في النكاح والمظالم، ومسلم في الطلاق، والترمذي في التفسير، والنسائي في الصوم وعِشرة النساء.
هذا (باب الغضب) بالإضافة وهو انفعال يحصل من غليان الدم لشيء دخل في القلب (في) حالة (الموعظة و) حالة (التعليم إذا رأى) الواعظ أو المعلم (ما يكره) أي الذي يكرهه فحذف العائد، وقيل أراد المؤلف الفرق بين قضاء القاضي وهو غضبان وبين تعليم المعلم وتذكير الواعظ فإنه بالغضب أجدر كذا قاله البرماوي