الواقعة بعده عليه أي: فلما جاء الإسلام تركوا التجارة فيها كأنهم كرهوا ذلك اهـ.
وقال الزمخشري: وكان ناس من العرب يتأثمون أن يتجروا أيام الحج وإذا دخل العشر كفوا عن البيع والشراء فلم يقم لهم سوق ويسمون من يخرج بالتجارة الداج ويقولون هؤلاء الداج وليسوا بالحاج.
وفي رواية ابن عيينة كأنهم تأثموا أي خافوا الوقوع في الإثم للاشتغال في أيام النسك بغير العبادة (حتى نزلت) آية ({ليس عليكم جناح أن تبتغوا}) في ({أن تبتغوا}) أي تطلبوا ({فضلاً من ربكم}) [البقرة: ١٩٨] عطاء ورزقًا منه يريد الربح بالتجارة زاد أبي في قراءته (في مواسم الحج) الجار متعلق بجناح والمعنى أن الجناح منتف ويبعد تعلقه بليس لأنه لم يرد أن ينفي الجناح مطلقًا ويجعل انتفاء التجارة ظرفًا للنفي فيبعد لهذا أن يكون متعلقًا به، وقد كان أهل الجاهلية يصبحون بعكاظ يوم هلال ذي القعدة ثم يذهبون منه إلى مجنة بعد مضي عشرين يومًا من ذي القعدة فإذا رأوا هلال ذي الحجة ذهبوا من مجنة إلى ذي المجاز فلبثوا به ثمان ليال ثم يذهبون إلى عوفة ولم تزل هذه الأسواق قائمة في الإسلام إلى أن كان أوّل ما ترك منها سوق عكاظ في زمن الخوارج سنة تسع وعشرين ومائة لما خرج الحروري بمكة مع أبي حمزة المختار بن عوف خاف الناس أن ينتهبوا وخابوا الفتنة فتركت إلى الآن، ثم ترك مجنة وذو المجاز بعد ذلك واستغنوا بالأسواق بمكة ومنى وعوفة وآخر ما ترك سوق حباشة في زمن داود بن عيسى بن موسى العباسي في سنة سبع وتسعين ومائة.
١٥١ - باب الإِدْلَاجِ مِنَ الْمُحَصَّبِ
(باب الإدلاج) بهمزة وصل وتشديد الدال على صيغة الافتعال بالتاء إلا أنها قلبت دالاً مثل ادّخر ادّخارًا أي السير في آخر الليل (من المحصب) بعد المبيت به، وفي رواية لأبي ذر كما في فتح الباري: الإدلاج بهمزة قطع مكسورة على صيغة الأفعال مصدر أدلج إدلاجًا وسكون الدال أي المسير في أوّل الليل والأول هو الصواب لأنه المراد لا الثاني على ما لا يخفى. نعم، قيل إن كلاً من الفعلين يستعمل في مسير الليل كيف كان والأكثرون على الأول.
١٧٧١ - حَدَّثَنَا عُمَرُ بْنُ حَفْصٍ حَدَّثَنَا أَبِي حَدَّثَنَا الأَعْمَشُ حَدَّثَنِي إِبْرَاهِيمُ عَنِ الأَسْوَدِ عَنْ عَائِشَةَ -رضي الله عنها- قَالَتْ "حَاضَتْ صَفِيَّةُ لَيْلَةَ النَّفْرِ فَقَالَتْ: مَا أُرَانِي إِلَاّ حَابِسَتَكُمْ. قَالَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: عَقْرَى حَلْقَى أَطَافَتْ يَوْمَ النَّحْرِ؟ قِيلَ: نَعَمْ. قَالَ: فَانْفِرِي".
وبالسند قال: (حدّثنا عمر بن حفص) هو ابن غياث النخعي الكوفي قال: (حدّثنا أبي) حفص قال: (حدّثنا الأعمش) سليمان بن مهران قال (حدثني) بالإفراد (إبراهيم) النخعي (عن الأسود) بن يزيد (عن عائشة -رضي الله عنها- قالت: حاضت صفية) بنت حيي أم المؤمنين -رضي الله عنها- بعد أن طافت طواف الإفاضة يوم النحر (ليلة النفر) (فقالت: أراني) بضم الهمزة ما أظن نفسي (إلا حابستكم) عن الرحلة إلى المدينة لانتظار طهري وطوافي للوداع فظنت أن طواف الوداع لا يسقط عن الحائض. قال الزمخشري في الفائق: مفعولاً أرى الضمير والمستثنى وإلا لغو. قال الأشرف: يمكن على أن لا يجعل الاستثناء لغوًا والمعنى ما أراني على حالة أو صفة إلا على حالة أو صفة كوني حابستكم، وتعقبه الطيبي فقال: لم يرد باللغو أن إلا زائدة بل أن المستثنى معمول الفعل المذكور ولذلك سمي مفرقًا (قال النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-):
(عقرى حلقى)، بفتح أوّلهما من غير تنوين وجوّزه أهل اللغة (أطافت يوم النحر؟) طواف الإفاضة (قيل: نعم). طافت (قال): بكسر الفاء أي ارحلي.
ورواة هذا الحديث إلى عائشة كوفيون وفيه ثلاثة من التابعين، وأخرجه مسلم في الحج وكذا النسائي وابن ماجة.
١٧٧٢ - قَالَ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ: وَزَادَنِي مُحَمَّدٌ حَدَّثَنَا مُحَاضِرٌ حَدَّثَنَا الأَعْمَشُ عَنْ إِبْرَاهِيمَ عَنِ الأَسْوَدِ عَنْ عَائِشَةَ -رضي الله عنها- قَالَتْ "خَرَجْنَا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- لَا نَذْكُرُ إِلَاّ الْحَجَّ، فَلَمَّا قَدِمْنَا أَمَرَنَا أَنْ نَحِلَّ. فَلَمَّا كَانَتْ لَيْلَةُ النَّفْرِ حَاضَتْ صَفِيَّةُ بِنْتُ حُيَىٍّ، فَقَالَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: حَلْقَى عَقْرَى، مَا أُرَاهَا إِلَاّ حَابِسَتَكُمْ. ثُمَّ قَالَ: كُنْتِ طُفْتِ يَوْمَ النَّحْرِ؟ قَالَتْ: نَعَمْ. قَالَ: فَانْفِرِي. قُلْتُ يَا رَسُولَ اللَّهِ، إِنِّي لَمْ أَكُنْ حَلَلْتُ. قَالَ: فَاعْتَمِرِي مِنَ التَّنْعِيمِ. فَخَرَجَ مَعَهَا أَخُوهَا، فَلَقِينَاهُ مُدَّلِجًا. فَقَالَ مَوْعِدُكِ مَكَانَ كَذَا وَكَذَا".
(قال أبو عبد الله): أي المؤلّف (وزادني) في الحديث المذكور (محمد) وفي رواية ابن السكن: محمد بن سلام، وقال الغساني: هو ابن يحيى الذهلي قال: (حدّثنا محاضر) بضم الميم وكسر الضاد المعجمة ابن المورع بضم الميم وفتح الواو وكسر الراء المشددة ثم عين مهملة الهمداني اليامي الكوفي. قال النسائي: ليس به بأس، وقال أحمد: كان مغفلاً ولم يكن من أصحاب الحديث، وقال أبو حاتم: ليس بمتين يكتب حديثه، وقال أبو ررعة صدوق وقد أخرج له المؤلّف حديثين بصورة التعليق الموصول عن بعض شيوخه عنه أحدهما هذا والآخر في البيوع وعلق له غيرهما وروى له مسلم حديثًا واحدًا في كتاب الأحكام عن خالد الحذاء مقرونًا بغيره وروى له الترمذي (قال: حدّثنا الأعمش عن إبراهيم) النخعي (عن الأسود عن عائشة -