بالنسبة للكفار والمنافقين كما هو مصرّح به في نفس الآية. ويحتمل أن تكون هذه آية أخرى في التوراة لبيان صفته وأن تكون حالاً أما من المتوكل أو من الكاف في سميتك وعلى هذا يكون فيه التفات من الخطاب إلى الغيبة ولو جرى على النسق الأول لقال: لست بفظ (ولا سخّاب) بتشديد الخاء المعجمة بعد السين المهملة وهي لغة أثبتها الفرّاء وغيره، والصخاب بالصاد أشهر أي لا يرفع صوته على الناس لسوء خلقه ولا يكثر الصياح عليهم (في الأسواق) بل يلين جانبه لهم ويبرفق بهم، وفيه ذم أهل السوق الذين يكونون بالصفة المذمومة من الصخب واللغط والزيادة في المدحة والذم لما يتبايعونه والإيمان الحانثة، ولهذا قال عليه الصلاة والسلام: "شر البقاع الأسواق لما يغلب على أهلها من هذه الأحوال المذمومة" (ولا يدفع بالسيئة السيئة) هو كقوله تعالى: {ادفع بالتي هي أحسن السيئة} [المؤمنون: ٩٦] (ولكن يعفو ويغفر) ما لم تنتهك حرمات الله تعالى (ولن يقبضه الله) يميته (حتى يقيم به الملة العوجاء) ملة إبراهيم فإنها قد اعوجّت في أيام الفترة فزيدت ونقصت وغيرت عن استقامتها وأميلت بعد قوامها وما زالت كذلك حتى قام الرسول -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فأقامها -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- ما كان عليه العرب من الشرك إثبات التوحيد (بأن
يقولوا: لا إله إلا الله ويفتح بها) أي بكلمة التوحيد (أعينًا عميًا) بضم العين وسكون الميم صفة لأعين، ولا تنافي بين هذا وبين قوله تعالى: {وما أنت بهادي العمي عن ضلالتهم} [النمل: ٨١] لأنه دل إيلاء الفاعل المعنوي حرف النفي على أن الكلام في الفاعل، وذلك أنه تعالى نزله لحرصه على إيمان القوم منزلة من يدّعي استقلاله بالهداية فقال له: أنت لست بمستقل فيه بل إنك لتهدي إلى صراط مستقيم بإذن الله تعالى وتيسيره، وعلى هذا فيفتح معطوف على قوله يقيم أي يقيم الله تعالى بواسطته الملّة العوجاء بأن يقولوا: لا إله إلا الله ويفتح بواسطة هذه الكلمة أعينًا عميًا (وآذانًا صمًّا وقلوبًا غلفًا) بضم الغين وسكون اللام صفة لقلوبًا وصمًّا لآذانًا، ولأبي ذر: ويفتح بضم أوله مبنيًّا للمفعول بها أعين عمي وآذان صم وقلوب غلف بالرفع على ما لا يخفى.
(تابعه) أي تابع فليحًا (عبد العزيز بن أبي سلمة عن هلال) هو ابن علي وهذه المتابعة وصلها في سورة الفتح، (وقال سعيد) هو ابن أبي هلال مما وصله الدارمي في مسنده ويعقوب بن سفيان في تاريخه والطبراني جميعًا بإسناد واحد عن هلال المذكور في سند الحديث (عن عطاء) هو ابن يسار (عن ابن سلام) بتخفيف اللام عبد الله الصحابي وقد خالف سعيد هذا عبد العزيز وفليحًا في تعيين الصحابيّ.
قال الحافظ ابن حجر: ولا مانع أن يكون عطاء بن يسار حمله عن كلٍّ منهما فقد أخرجه ابن سعد من طريق زيد بن أسلم قال: بلغنا أن عبد الله بن سلام كان يقول فذكره، وسأذكر لرواية عبد الله بن سلام متابعات في تفسير سورة الفتح انتهى.
قلت: ولم أجد ما وعد به -رحمه الله- من التابعات في سورة الفتح، ولعله سها عن ذكر ذلك كغيره في كثير من الحوالات. نعم وجد بخطه في تفسير سورة الفتح تنظر الفرجة ولم توجد غير فرجة ليس فيها كتابة فلعله أراد أن يكتب فيها ما وعد به أو غيره.
(غلف) بضم الغين وسكون اللام (كل شيء في غلاف و) يقال (سيف أغلف) إذا كان في غلاف، (و) كذا يقال (قوس غلفاء) إذا كانت في غلاف كالجعبة ونحوها، (و) كذا (رجل أغلف إذا لم يكن مختونًا قاله أبو عبد الله) أي البخاري وهو كلام أبي عبيدة في المجاز وهذا كلام وقع في رواية النسفيّ والمستملي كما قاله في الفتح، لكن قال: إنه قبل قوله تابعه والذي في الفرع تأخيره كما ترى وسقوطه في رواية ابن عساكر وزيادة. قال أبو عبد الله لأبي ذر عن المستملي بدون هاء الضمير في قال.
٥١ - باب الْكَيْلِ عَلَى الْبَائِعِ وَالْمُعْطِي
لِقَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى: {وَإِذَا كَالُوهُمْ أَوْ وَزَنُوهُمْ يُخْسِرُونَ} [المطففين: ٣] يَعْنِي كَالُوا لَهُمْ وَوَزَنُوا لَهُمْ كَقَوْلِهِ: {يَسْمَعُونَكُمْ} [الشعراء: ٧٢]: يَسْمَعُونَ لَكُمْ. وَقَالَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: «اكْتَالُوا
حَتَّى تَسْتَوْفُوا». وَيُذْكَرُ عَنْ عُثْمَانَ -رضي الله عنه- أَنَّ النَّبِيَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ: «إِذَا بِعْتَ فَكِلْ، وَإِذَا ابْتَعْتَ فَاكْتَلْ».
(باب) مؤونة (الكيل) فيما يكال ومؤونة الوزن فيما يوزن (على (البائع و) كذا يكون على (المعطي) بكسر الطاء بائعًا كان أو موفيًا للدين أو غير ذلك وهذا قول أبي حنيفة ومالك والشافعي (لقول الله تعالى) بلام التعليل للترجمة، ولأبي ذر: وقول الله تعالى