الحديث أريد به ما هو أخص من ذلك؛ وهو الجماع، وهذا الذي فسر به الآية موافق لتفسير ابن عباس، ومشى عليه البيضاوي وغيره، فقال ﴿وَلِيَقْتَرِفُوا مَا هُمْ مُقْتَرِفُونَ﴾ [الأنعام: ١١٣] وسقط في رواية الحموي والمستملي، وثبت في رواية الكشميهني.
٧٣ - باب الصَّلَاةِ عَلَى الشَّهِيدِ
(باب) حكم (الصلاة على الشهيد) وهو: المقتول في معركة الكفار، لو كان امرأة، أو رقيقًا، أو صبيًا، أو مجنونًا. وقد خرج بالتقييد: بالمعركة، من جرح وعاش بعد ذلك حياة مستقرة، وخرج من سمي شهيدًا بسبب غير السبب المذكور كالغريق، والمبطون، والمطعون، فتسميتهم شهداء باعتبار الثواب في الآخرة، فقط.
١٣٤٣ - حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ يُوسُفَ حَدَّثَنَا اللَّيْثُ قَالَ: حَدَّثَنِي ابْنُ شِهَابٍ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ كَعْبِ بْنِ مَالِكٍ عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ ﵄ قَالَ: "كَانَ النَّبِيُّ ﷺ يَجْمَعُ بَيْنَ الرَّجُلَيْنِ مِنْ
قَتْلَى أُحُدٍ فِي ثَوْبٍ وَاحِدٍ ثُمَّ يَقُولُ: أَيُّهُمْ أَكْثَرُ أَخْذًا لِلْقُرْآنِ؟ فَإِذَا أُشِيرَ لَهُ إِلَى أَحَدِهِمَا قَدَّمَهُ فِي اللَّحْدِ وَقَالَ: أَنَا شَهِيدٌ عَلَى هَؤُلَاءِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ. وَأَمَرَ بِدَفْنِهِمْ فِي دِمَائِهِمْ، وَلَمْ يُغَسَّلُوا وَلَمْ يُصَلَّ عَلَيْهِمْ".
[الحديث ١٣٤٣ - أطرافه في: ١٣٤٥، ١٣٤٦، ١٣٤٧، ١٣٤٨، ١٣٥٣، ٤٠٧٩].
وبالسند قال: (حدّثنا عبد الله بن يوسف) التنيسي، قال: (حدّثنا الليث) بن سعد الفهمي (قال: حدّثني) بالإفراد (ابن شهاب) محمد بن مسلم الزهري (عن عبد الرحمن بن كعب بن مالك) الأنصاري السلمي (عن جابر بن عبد الله الأنصاري)، ﵄، قال الحافظ ابن حجر: كذا يقول الليث، عن ابن شهاب عن عبد الرحمن، عن جابر.
قال النسائي: لا أعلم أحدًا من ثقات أصحاب ابن شهاب تابع الليث على ذلك، ثم ساقه من طريق عبد الله بن المبارك، عن معمر، عن ابن شهاب، عن عبد الله بن ثعلبة. فذكر الحديث مختصرًا. وكذا أخرجه أحمد من طريق محمد بن إسحاق، والطبراني من طريق عبد الرحمن بن إسحاق وعمرو بن الحرث، كلهم، عن ابن شهاب، عن عبد الله بن ثعلبة، وعبد الله له رؤية، فحديثه من حيث السماع مرسل.
وقد رواه عبد الرزاق عن معمر، فزاد فيه جابرًا، وهو مما يقوي اختيار البخاري، فإن ابن شهاب صاحب حديث، فيحمل على أن الحديث عنده عن شيخين، ولا سيما أن في رواية عبد الرحمن بن كعب ما ليس في رواية عبد الله بن ثعلبة.
وعلى ابن شهاب فيه اختلاف آخر، رواه أسامة بن زيد الليثي، عنه، عن أنس، أخرجه أبو داود والترمذي. وأسامة سيئ الحفظ، وقد حكى الترمذي في العلل عن البخاري: أن أسامة غلط في إسناده وأخرجه البيهقي من طريق عبد الرحمن بن عبد العزيز الأنصاري، عن ابن شهاب، فقال: عن عبد الرحمن بن كعب، عن أبيه: وابن عبد العزيز ضعيف. وقد أخطأ في قوله: عن أبيه، وقد ذكر البخاري فيه اختلافًا آخر كما سيأتي بعد بابين اهـ. (قال) أي: جابر: (كان النبي، ﷺ، يجمع بين الرجلين من قتلى) غزوة (أحد في ثوب واحد) إما بأن يجمعهما فيه، وإما بأن يقطعه بينهما. وقال المظهري قوله: في ثوب واحد، أي في قبر واحد، إذ لا يجوز تجريدهما في ثوب واحد بحيث تتلاقى بشرتاهما، بل ينبغي أن يكون على كل واحد منهما ثيابه الملطخة بالدم، وغيرها. ولكن يضجع أحدهما بجنب الآخر في قبر واحد، (ثم يقول) ﵊:
(أيهم) أي: أي القتلى. وللحموي والمستملي: أيهما، أي: أي الرجلين (أكثر أخذًا للقرآن؟) بالنصب على التمييز في: أخذًا (فإذا أشير له) ﵊ (إلى أحدهما قدمه في اللحد، وقال) ﵊ (أنا شهيد على هؤلاء يوم القيامة). قال المظهري: أي: أنا شفيع لهؤلاء، وأشهد لهم بأنهم بذلوا أرواحهم، وتركوا حياتهم لله تعالى. اهـ.
وتعقبه الطيبي: بأن هذا الذي قاله لا يساعد عليه تعدية الشهيد بعلى، لأنه لو أريد ما قال لقيل: أنا شهيد لهم، فعدل عن ذلك لتضمين: شهيد، معنى: رقيب وحفيظ، أي: أنا حفيظ عليهم، أراقب أحوالهم وأصونهم من المكاره، وشفيع لهم، ومنه قوله تعالى: ﴿وَاللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ﴾ [المجادلة: ٦ والبروج: ٩] ﴿كُنْتَ أَنْتَ الرَّقِيبَ عَلَيْهِمْ وَأَنْتَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ﴾ [المائدة: ١١٧].
(وأمر) ﵊ (بدفنهم في دمائهم، ولم يغسلوا، ولم يصل عليهم) بفتح اللام، أي: لم يفعل ذلك بنفسه، ولا بأمره. وعند أحمد أنه ﷺ، قال: لا تغسلوهم، فإن كل جرح، أو كلم، أو دم يفوح مسكًا يوم القيامة. ولم يصل عليهم، والحكمة في ذلك إبقاء أثر الشهادة عليهم، والتعظيم لهم، باستغنائهم عن دعاء القوم، وقد اختلف في الصلاة على الشهيد المقتول في المعركة، فمذهب الشافعية، أنها حرام وبه قال مالك، وأحمد، وقال بعض الشافعية: معناه لا تجب عليهم لكن تجوز.
وفي هذا الحديث: