(دخل رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يومًا بيت عائشة وعلى النار برمة تفور فدعا بالغداء) بفتح الغين المعجمة
والدال المهملة (فأتي بخبز وأدم من أدم البيت فقال: (لم أرَ لحمًا؟ قالوا: بلى يا رسول الله ولكنه لحم تصدق به على بريرة) بضم الفوقية والصاد المهملة (فأهدته لنا، فقال) عليه الصلاة والسلام: (هو صدقة عليها وهدية لنا) والغرض من الحديث ظاهر وفيه تقديم اللحم على غيره لما فيه من سؤاله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- مع وجود أدم غيره، وفي حديث بريرة مرفوعًا: سيد الأدام في الدنيا والآخرة اللحم رواه ابن ماجة.
وحديث الباب ذكره المؤلّف أكثر من عشرين مرة، لكنه ساقه هنا مرسلًا، لكنه كما قال في الفتح اعتمد على إيراده موصولًا من طريق مالك عن ربيعة عن القاسم عن عائشة في كتاب النكاح والطلاع وجرى هنا على عادته من تجنب إيراد الحديث على هيئته كلها في باب آخر فالله تعالى يرحمه ما أدق نظره وأوسع فكره.
٣٢ - باب الْحَلْوَاءِ وَالْعَسَلِ
(باب) ذكر (الحلواء) بالمدّ في الفرع كأصله وقال في الفتح: بالقصر لأبي ذر ولغيره بالمد لغتان، وحكى ابن قرقول وغيره أن الأصمعي يقصرها، وعن أبي علي الوجهين فعلى القصر يكتب بالياء وعلى المدّ بالألف، وقال الليث: الحلواء ممدود وهو كل حلو يؤكل وخصه الخطابي بما دخلته الصنعة، وقال ابن سيده: ما عولج من الطعام بحلاوة وقد تطلق على الفاكهة (و) ذكر (العسل).
٥٤٣١ - حَدَّثَنِي إِسْحَاقُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ الْحَنْظَلِيُّ عَنْ أَبِي أُسَامَةَ عَنْ هِشَامٍ قَالَ: أَخْبَرَنِي أَبِي عَنْ عَائِشَةَ -رضي الله عنها- قَالَتْ: كَانَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يُحِبُّ الْحَلْوَاءَ وَالْعَسَلَ.
وبه قال: (حدّثني) بالإفراد (إسحاق بن إبراهيم الحنظليّ) بالحاء المهملة والظاء المعجمة نسبة إلى حنظلة بن مالك المشهور بابن راهويه (عن أبي أسامة) حماد بن أسامة (عن هشام) أنه (قال: أخبرني) بالإفراد (أبي) عروة بن الزبير بن العوّام (عن عائشة -رضي الله عنها-) أنها (قالت: كان رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يحب الحلواء) بالمدّ والقصر (و) يجب (العسل) وفي فقه اللغة للثعالبي أن حلوى النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- التي كان يحبها هي المجيع بالجيم بوزن عظيم وهو تمر يعجن بلبن فإن صح هذا، وإلا فلفظ الحلوى يعم كل ما فيه حلو وما يشابه الحلوى والعسل من المآكل اللذيذة وقد دخل العسل في قولها الحلوى ثم ثنت بذكره على انفراده لشرفه كقوله تعالى: {وملاكته ورسله وجبريل وميكال} [البقرة: ٩٨] فما خلق الله لها في معناه أفضل منه ولا مثله ولا قريبًا منه إذ هو غذاء من الأغذية ودواء من الأدوية وشراب من الأشربة وحلو من الحلوى وطلاء من الأطلية ومفرح من المفرحات وله خواص ومنافع تأتي إن شاء الله تعالى مع غيرها من المباحث في كتاب الطب بعون الله، وليس المراد كما قاله الخطابي وغيره أن حبه عليه الصلاة والسلام لذلك بمعنى كثرة التشهي وشدّة نزاع النفس بل كان يتناول منها إذا حضرت نيلًا صالحًا أكثر مما يتناوله من غيرها.
وهذا الحديث أخرجه البخاري أيضًا في الأشربة والطب وترك الحيل، ومسلم في الطلاق، وأبو داود في الأشربة، والنسائي في الطب، وابن ماجة في الأطعمة.
٥٤٣٢ - حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ شَيْبَةَ قَالَ: أَخْبَرَنِي ابْنُ أَبِي الْفُدَيْكِ عَنِ ابْنِ أَبِي ذِئْبٍ عَنِ الْمَقْبُرِيِّ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ -رضي الله عنه- قَالَ: كُنْتُ أَلْزَمُ النَّبِيَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- لِشِبَعِ بَطْنِي، حِينَ لَا آكُلُ الْخَمِيرَ، وَلَا أَلْبَسُ الْحَرِيرَ، وَلَا يَخْدُمُنِي فُلَانٌ وَلَا فُلَانَةُ، وَأُلْصِقُ بَطْنِي بِالْحَصْبَاءِ، وَأَسْتَقْرِئُ الرَّجُلَ الآيَةَ وَهْيَ مَعِي كَيْ يَنْقَلِبَ بِي فَيُطْعِمَنِي. وَخَيْرُ النَّاسِ لِلْمَسَاكِينِ جَعْفَرُ بْنُ أَبِي طَالِبٍ: يَنْقَلِبُ بِنَا فَيُطْعِمُنَا مَا كَانَ فِي بَيْتِهِ، حَتَّى إِنْ كَانَ لَيُخْرِجُ إِلَيْنَا الْعُكَّةَ لَيْسَ فِيهَا شَيْءٌ، فَنَشْتَقُّهَا فَنَلْعَقُ مَا فِيهَا.
وبه قال: (حدّثنا عبد الرحمن بن شيبة) هو عبد الرحمن بن عبد الملك بن محمد بن شيبة القرشي الحزامي بالحاء المهملة والزاي وقول بعضهم ابن أبي شيبة غلط فليس فيه لفظ أبي (قال: أخبرني) بالإفراد (ابن أبي الفديك) بإثبات لفظ أبي في هذا والفديك بضم الفاء وفتح الدال المهملة وبعد التحتية الساكنة كاف محمد بن إسماعيل بن فديك (عن ابن أبي ذئب) محمد بن عبد الرحمن (عن المقبري) بضم الموحدة سعد بن أبي سعيد (عن أبي هريرة -رضي الله عنه-) أنه (قال: كنت ألزم) بفتح الهمزة والزاي (النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- لشبه بطني) بكسر الشين المعجمة وفتح الموحدة أي لأجل شبع بطني، ولأبي ذر عن الكشميهني: بشبع بالموحدة بدل اللام أي بسبب شبع بطني (حين لا آكل) الخبز (الخمير ولا ألبس الحرير) قال في المطالع: كذا لجميعهم براءين في كتاب الأطعمة من غير خلاف وللأصيلي والقابسي والحموي والنسفيّ وعبدوس في كتاب المناقب الحبير بالياء الموحدة بدلًا من الحرير ولغيرهم فيه الحرير كما في الأطعمة والحبير هو الثوب المحبر المزيّن الملوّن