للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

{وما قدروا الله حق قدره} أي ما عرفوه حق معرفته ولا ريب أن الصحابة كانوا أعلم بما رووه، وقد قالوا إنه ضحك تصديقًا، وقد ثبت في الحديث الصحيح: "ما من قلب إلا وهو بين إصبعين من أصابع الرحمن" رواه مسلم. وفي حديث ابن عباس قال رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: "أتاني الليلة ربي في أحسن صورة" الحديث. وفيه فوضع يده بين كتفي، وفي رواية معاذ فرأيته وضع كفه بين كتفي فوجدت برد أنامله بين ثديي، فهذه روايات متظافرة على صحة ذكر الأصابع وكيف يطعن في حديث أجمع على إخراجه الشيخان وغيرهما من أئمة النقد والإتقان، لا سيما وقد قال ابن الصلاح ما اتفق عليه الشيخان هو بمنزلة المتواتر وكيف يسمع -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وصف ربه تعالى بما لا يرضاه فيضحك ولم ينكره أشد الإنكار حاشاه الله من ذلك، وإذا تقرر صحة ذلك فهو من المتشابه كغيره كالوجه واليدين والقدم والرجل والجنب في قوله تعالى: {أن تقول نفس يا حسرتى على ما فرطت في جنب الله} [الزمر: ٥٦].

واختلف أئمتنا في ذلك هل نؤوّل المشكل أم نفوّض معناه المراد إليه تعالى مع اتفاقهم على أن جعلنا بتفصيله لا يقدح في اعتقادنا المراد منه، والتفويض مذهب السلف وهو أسلم والتأويل مذهب الخلف وهو أعلم أي أحوج إلى مزيد علم فنؤوّل الأصبع هنا بالقدرة إذ إرادة الجارحة مستحيلة، وقد قال الزمخشري في كشافه بعد ذكر نحو حديث الباب إنما ضحك أفصح العرب وتعجب لأنه لم يفهم منه إلا ما يفهمه علماء البيان من غير تصوّر إمساك ولا أصبع ولا هز ولا شيء من ذلك، ولكن فهمه وقع أوّل شيء وآخره على الزبدة والخلاصة التي هي الدلالة على القدرة الباهرة، وأن الأفعال العظام التي تتحير فيها الأذهان ولا تكتنهها الأوهام هينة عليه هوانًا لا يوصل السامع إلى الوقوف عليه إلا إجراء العبارة وفي مثل هذه الطريقة من التخييل، ولا ترى بابًا في علم البيان أدق ولا ألطف من هذا الباب ولا أنفع وأعون على تعاطي تأويل المشتبهات من كلام الله تعالى في القرآن وسائر الكتب السماوية وكلام الأنبياء فإن أكثره وعليته تخييلات قد زلّت فيها أقدام وما أتى الزالّون إلا من قلة عنايتهم بالبحث والتنقير حتى يعلموا أن في عداد العلوم الدقيقة علمًا لو قدّروه حق قدره لما خفي عليهم أن العلوم كلها مفتقرة إليه وعيال عليه إذ لا يحل عقدها الموربة ولا يفك قيودها المكربة إلا هو، وكم آية من آيات التنزيل وحديث من أحاديث الرسول قد ضيم وسيم الخسف بالتأويلات الغثة والوجوه الرثّة لأن مَن تأوّل ليس من هذا العلم في عير ولا نفير ولا يعرف قبيلًا من دبير.

وقال ابن فورك: يحتمل أن يكون المراد أصبع بعض مخلوقاته.

وسيكون لنا عودة إلى الإلمام بشيء من مبحث هذا الحديث إن شاء الله تعالى بعونه وتوفيقه.

وهذا الحديث أخرجه أيضًا في التوحيد ومسلم في التوبة والترمذي والنسائي في التفسير.

٣ - باب قَوْلِهِ: {وَالأَرْضُ جَمِيعًا قَبْضَتُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَالسَّمَوَاتُ مَطْوِيَّاتٌ بِيَمِينِهِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى عَمَّا يُشْرِكُونَ}

(باب قوله) تعالى: ({والأرض جميعًا قبضته يوم القيامة}) القبضة بفتح القاف المرة من القبض أطلقت بمعنى القبضة بالضم وهي المقدار المقبوض بالكف تسمية بالمصدر أو بتقدير ذات قبضته ({والسماوات مطويات بيمينه}) قال ابن عطية اليمين هنا والقبضة عبارة عن القدرة وما اختلج في الصدور من غير ذلك باطل وما ذهب إليه القاضي يعني أبا الطيب من أنها صفات زائدة على صفات الذات قول ضعيف وبحسب ما يختلج في النفوس قال عز وجل: ({سبحانه وتعالى عما يشركون}) [الزمر: ٦٧] أي هو منزّه عن جميع ما وصف به المجسمون المشبهون وتأكيد الأرض بالجميع لأن المراد بها الأرضون السبع أو جميع أبعاضها البادية والغائرة وخص ذلك بيوم القيامة ليدل على أنه كما ظهر كمال قدرته في الإيجاد عند عمارة الدنيا يظهر كمال قدرته في الإعدام عند خراب الدنيا وسقط لأبي ذر قوله والسماوات الخ.

٤٨١٢ - حَدَّثَنَا سَعِيدُ بْنُ عُفَيْرٍ قَالَ: حَدَّثَنِي اللَّيْثُ قَالَ: حَدَّثَنِي عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ خَالِدِ بْنِ مُسَافِرٍ عَنِ ابْنِ شِهَابٍ عَنْ أَبِي سَلَمَةَ أَنَّ أَبَا هُرَيْرَةَ قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يَقُولُ: «يَقْبِضُ اللَّهُ الأَرْضَ، وَيَطْوِي السَّماوَاتِ بِيَمِينِهِ، ثُمَّ يَقُولُ: أَنَا الْمَلِكُ، أَيْنَ مُلُوكُ الأَرْضِ»؟ [الحديث ٤٨١٢ - أطرافه في: ٦٥١٩، ٧٣٨٢، ٧٤١٣].

وبه قال: (حدّثنا سعيد بن عفير) بضم العين المهملة وفتح الفاء مصغرًا نسبه لجدّه لشهرته به واسم أبيه كثير المصري (قال: حدّثني)

<<  <  ج: ص:  >  >>