ونظيره في كلام الله تعالى العزيز غير عزيز والمعنى جمع كفيه ثم عزم على النفث فيهما فقرأ فيهما، أو لعل السر في تقديم النفث على القراءة مخالفة السحرة البطلة على أن أسرار الكلام النبوي جلت عن أن تكون مشرع كل وارد وبعض من لا يد له في علم المعاني لما أراد التقصي عن الشبهة تشبث بأنه جاء في صحيح البخاري بالواو وهي تقتضي الجمعية لا الترتيب وهو زور وبهتان حيث لم أجد فيه وفي كتاب الحميدي وجامع الأصول إلا بالفاء اهـ وقد ثبت في رواية أبي ذر عن الكشميهني يقرأ بلا فاء ولا واو فيهما ({قل هو الله أحد} و {قل أعوذ برب الفلق} و {قل أعوذ برب الناس} ثم يمسح بهما ما استطاع من جسده يبدأ بهما) أي يبدأ بالمسح بيديه (على رأسه ووجهه وما أقبل من جسده يفعل ذلك ثلاث مرات).
قال في شرح المشكاة: قوله يبدأ بيان لجملة قوله يمسح بهما ما استطاع لكن قوله: ما استطاع من جسده وقوله يبدأ يقتضيان أن يقدر يبدأ بهما على رأسه ووجهه وما أقبل من جسده، ثم ينتهي إلى ما أدبر من جسده، ورواية عقيل عن ابن شهاب هذه وإن اتحد سندها بالسابقة، لكن
فيها أنه كان يقرأ بالمعوّذات عند النوم فهي مغايرة لحديث مالك السابق فالذي يترجح أنهما حديثان عن ابن شهاب بسند واحد قاله في الفتح.
١٥ - باب نُزُولِ السَّكِينَةِ وَالْمَلَائِكَةِ عِنْدَ قِرَاءَةِ الْقُرْآنِ
(باب نزول السكينة والملائكة عند قراءة القرآن) وسقط لأبي ذر لفظ قراءة وله في رواية عند القراءة.
(وقال الليث) بن سعد الإمام فيما وصله أبو عبيد في فضائل القرآن عن يحيى بن بكير عن الليث بالإسنادين الآتيين قال: (حدّثني) بالإفراد (يزيد بن الهاد) بلا ياء هو ابن أسامة بن عبد الله بن شدّاد بن الهاد (عن محمد بن إبراهيم) التيمي التابعي الصغير (عن أسيد بن حضير) بضم الهمزة وحضير بالحاء المهملة والضاد المعجمة وتصغيرهما ويزيد بن الهاد لم يدرك أسيدًا فروايته عنه منقطعة لكن الاعتماد في وصل الحديث على السند الآخر (قال بينما) بالميم (هو) أي أسيد (يقرأ من الليل سورة البقرة) في السابقة سورة الكهف فيحتمل التعدد (وفرسه مربوط) بالتذكير ولأبي ذر والأصيلي مربوطة (عنده) بالتأنيث والقياس الأول لأنه مذكر (إذ جالت الفرس) بالجيم أي اضطربت شديدًا (فسكت) عن القراءة (فسكنت) أي الفرس عن الاضطراب (فقرأ فجالت الفرس) سقط لفظ الفرس لأبي ذر (فسكت وسكنت الفرس ثم قرأ فجالت الفرس فانصرف) أسيد (وكان ابنه يحيى) في ذلك الوقت (قريبًا منها) من الفرس (فأشفق) خاف أسيد (أن تصيبه) أي ابنه يحيى (فلما اجترّه) بالجيم وتشديد الراء أي اجتر أسيد ابنه يحيى من المكان الذي هو فيه حتى لا يصيبه الفرس (رفع رأسه إلى السماء حتى ما يراها فلما أصبح) أسيد (حدّث النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) بذلك (فقال له) عليه الصلاة والسلام:
(اقرأ يا ابن حضير اقرأ يا ابن حضير) مرتين وليس أمرًا بالقراءة حالة التحديث، بل المعنى كان ينبغي لك أن تستمر على قراءتك وتغتنم ما حصل لك من نزول السكينة والملائكة وتستكثر من القراءة، التي هي سبب بقائها قاله النووي. قال الطيبي: يريد أن اقرأ لفظه أمر وطلب للقراءة في الحال ومعناه تحضيض وطلب للاستزادة في الزمان الماضي أي هلاّ زدت، وكأنه -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- استحضر تلك الحالة العجيبة الشأن فأمره تحريضًا عليه، والدليل على أن المراد من الأمر الاستزادة وطلب دوام القراءة والنهي عن قطعها قوله (قال: فأشفقت) أي خفت (يا رسول الله) إن دمت على القراءة (أن تطأ) الفرس ابني (يحيى وكان منها) أي من الفرس (قريبًا فرفعت رأسي فانصرفت) وللأصيلي وانصرفت (إليه فرفعت رأسي إلى السماء فإذا مثل الظلة) بضم الظلة المعجمة وتشديد اللام قال ابن بطال هي السحابة كانت فيها الملائكة ومعها السكينة فإنها تنزل أبدًا مع الملائكة (فيها) في الظلة (أمثال المصابيح) وفي رواية إبراهيم بن سعد أمثال السرج (فخرجت) بالخاء والجيم كذا لجميعهم قال عياض: وصوابه فعرجت بالعين (حتى لا أراها) وعند أبي عبيد عرجت إلى السماء