فيلزم أن تكون الصلاة في مسجد المدينة أفضل من الصلاة في مسجد مكة بتسعمائة وتسع وتسعين صلاة.
وأوّله بعضهم على التساوي بين المسجدين ورجحه ابن بطال معللاً: بأنه لو كان مسجد مكة فاضلاً أو مفضولاً لم يعلم مقدار ذلك إلا بدليل، بخلاف المساواة.
وأجيب: بأن دليله قوله في حديث أحمد وابن حبان السابق: وصلاة في المسجد الحرام أفضل من مائة صلاة في هذا. وكأنه لم يقف عليه، وهذا التضعيف يرجع إلى الثواب كما مر. ولا يتعدى إلا جزاء بالاتفاق، كما نقله النووي وغيره.
وعليه يحمل قول أبي بكر النقاش المفسر في تفسيره: حسبت الصلاة في المسجد الحرام، فبلغت صلاة واحدة بالمسجد الحرام خمس وخمسين سنة وستة أشهر وعشرين ليلة. وهذا مع قطع النظر عن التضعيف بالجماعة، فإنها تزيد سبعًا وعشرين درجة، كما مر.
قال البدر بن الصاحب الأثاري: إن كل صلاة بالمسجد الحرام فرادى بمائة صلاة، وكل صلاة فيه جماعة بألفي ألف صلاة وسبعمائة ألف صلاة، والصلوات الخمس فيه بثلاثة عشر ألف ألف وخمسمائة ألف صلاة، وصلاة الرجل منفردًا في وطنه غير المسجدين العظمين كل مائة سنة شمسية بمائة ألف وثمانين ألف صلاة، وكل ألف سنة بالف ألف صلاة وثمانمائة ألف صلاة، فتلخص من هذا أن صلاة واحدة في المسجد الحرام جماعة، يفضل ثوابها على ثواب من صلّى في بلده فرادى، حتى بلغ عمر نوح بنحو الضعف. اهـ.
لكن هل يجتمع التضعيفان أو لا؟ محل بحث. وهل يدخل في التضعيف ما زيد في المسجد النبوي في زمن الخلفاء الراشدين ومن بعدهم؟ أم لا:؟ إن غلبنا اسم الإشارة في قوله: مسجدي هذا انحصر التضعيف فيه ولم يعم ما زيد فيه، لأن التضعيف إنما ورد في مسجده وقد أكده يقوله: هذا. وقد صرح بذلك النووي، بخلاف المسجد الحرام، فإنه يعم الحرم كله كما مر.
واستنبط منه تفضيل مكة على المدينة، لأن الأمكنة تشرف بفضل العبادة فيها على غيرها مما تكون العبادة فيه مرجوحة، وهو قول الجمهور.
وحكي عن مالك، وابن وهب، ومطرف، وابن حبيب، من أصحابه: لكن المشهور عن مالك وأكثر أصحابه تفضيل المدينة. وقد رجع عن هذا القول أكثر المنصفين من المالكية. واستثنى القاضي عياض البقعة التي دفن فيها النبي، ﷺ، فحكى الاتفاق على أنها أفضل بقاع الأرض. بل قال ابن عقيل الحنبلي: إنها أفضل من العرش.
ورواة هذا الحديث الستة مدنيون، إلا شيخ المؤلّف فأصله من دمشق وهو من أفراده، وفيه: التحديث والإخبار والعنعنة والقول، وأخرجه مسلم في: المناسك، والترمذي وابن ماجة في: الصلاة، النسائي في: الحج.
٢ - باب مَسْجِدِ قُبَاءٍ
فضل (مسجد قباء) بضم القاف ممدودًا. وقد يقصر ويذكر على أنه اسم موضع، فيصرف ويؤنث على أنه اسم بقعة. وبينه وبين المدينة ثلاثة أميال، أو ميلان. وهو أولّ مسجد أسسه، ﷺ، والمسجد المؤسس على التقوى في قول جماعة من السلف، منهم ابن عباس، وهو مسجد بني عمرو بن عوف. وسمي باسم بئر هناك، وفي وسطه مبرك ناقته، ﵊، وفي صحنه، مما يلي القبلة، شبه محراب هو أوّل موضع ركع فيه، ﷺ، ثَمَّ.
١١٩١ - حَدَّثَنَا يَعْقُوبُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ حَدَّثَنَا ابْنُ عُلَيَّةَ أَخْبَرَنَا أَيُّوبُ عَنْ نَافِعٍ "أَنَّ ابْنَ عُمَرَ ﵄ كَانَ لَا يُصَلِّي مِنَ الضُّحَى إِلاَّ فِي يَوْمَيْنِ. يَوْمَ يَقْدَمُ بِمَكَّةَ فَإِنَّهُ كَانَ يَقْدَمُهَا ضُحًى فَيَطُوفُ بِالْبَيْتِ ثُمَّ يُصَلِّي رَكْعَتَيْنِ خَلْفَ الْمَقَامِ، وَيَوْمَ يَأْتِي مَسْجِدَ قُبَاءٍ فَإِنَّهُ كَانَ يَأْتِيهِ كُلَّ سَبْتٍ، فَإِذَا دَخَلَ الْمَسْجِدَ كَرِهَ أَنْ يَخْرُجَ مِنْهُ حَتَّى يُصَلِّيَ فِيهِ. قَالَ: وَكَانَ يُحَدِّثُ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ كَانَ يَزُورُهُ رَاكِبًا وَمَاشِيًا".
[الحديث ١١٩١ - أطرافه في: ١١٩٣، ١١٩٤، ٧٣٢٦].
وبه قال: (حدّثنا يعقوب بن إبراهيم) بن كثير، زاد الهروي، هو الدورقي، نسبة إلى لبس القلانس الدورقية، قال: (حدّثنا ابن علية) بضم العين المهملة وفتح اللام وتشديد المثناة التحتية، إسماعيل بن إبراهيم بن مقسم، وعلية أمه، قال: (أخبرنا أيوب) السختياني (عن نافع) مولى ابن عمر:
(أن ابن عمر) بن الخطاب (﵄، كان لا يصلّي من الضحى) أي: في الضحى، أو: من جهة الضحى (إلا في يومين: يوم يقدم بمكة) بجر يوم، بدلاً من يومين، أو بالرفع، خبر مبتدأ محذوف. أي: أحدهما يوم. وللهروي والأصيلي: يوم، كاللاحق بالنصب على الظرفية، ودال: يقدم مفتوحة. وقال العيني: مضمومة، وبمكة، بموحدة، ولأبوي ذر والوقت، والأصيلي، وابن عساكر: مكة بحذفها. (فإنه) أي ابن عمر (كان يقدمها) أي مكة (ضحى) أي: في ضحوة النهار، (فيطوف بالبيت) الحرام (ثم يصلّى ركعتين) سنة الطواف (خلف المقام ويوم) عطف على يوم