قال: (حدّثنا عبد الواحد) بن زياد قال: (حدّثنا معمر) بميمين مفتوحتين بينهما مهملة ساكنة ابن راشد (عن الزهري) محمد بن مسلم (عن أبي سلمة بن عبد الرحمن عن جابر بن عبد الله) الأنصاري (-رضي الله عنهما-) وقد اختلف على الزهري في هذا الإسناد فقال مالك عنه عن أبي سلمة وابن المسيب مرسلاً كذا رواه الشافعي وغيره والمحفوظ
روايته عن أبي سلمة عن جابر أنه (قال: قضى رسول الله) ولأبوي ذر والوقت قضى النبي (-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بالشفعة في كل ما) أي في كل مشترك مشاع قابل للقسمة (لم يقسم فإذا وقعت الحدود) جمع حدّ وهو هنا ما تتميز به الأملاك بعد القسمة وأصل الحد المنع ففي تحديد الشيء منع خروج شيء منه ومنع دخول غيره فيه (وصرفت الطرق) بضم الصاد المهملة وكسر الراء المخففة وتُشدّد أي بينت مصارفها وشوارعها (فلا شفعة) لأنه لا مجال لها بعد أن تميزت الحقوق بالقسمة.
وهذا الحديث أصل في ثبوت الشفعة، وقد أخرجه مسلم من طريق أبي الزبير عن جابر بلفظ: قضى رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بالشفعة في كل شرك لم يقسم ربعه أو حائط ولا يحل له أن يبيع حتى يؤذن شريكه، فإن شاء أخذ وإن شاء ترك، فإذا باع ولم يؤذنه فهو أحق به، والربعة بفتح الراء تأنيث الربع وهو المنزل والحائط البستان، وقد تضمن هذا الحديث ثبوت الشفعة في المشاع وصدره يشعر بثبوتها في المنقولات وسياقه يُشعِر باختصاصها بالعقار وبما فيه العقار، ومشهور مذهب المالكية والشافعية والحنابلة تخصيصها بالعقار لأنه أكثر الأنواع ضررًا والمراد بالعقار الأرض وتوابعها المثبتة فيها للدوام كالبناء وتوابعه الداخلة في مطلق البيع من الأبواب والرفوف والمسامير وحجري الطاحون والأشجار فلا تثبت في منقول غير تابع، ويشترط أن يكون العقار قابلاً للقسمة واحترز به عما إذا كان لا يقبلها أو يقبلها بضرر كالحمام ونحوها لما سبق أن علة ثبوت الشفعة دفع ضرر مؤنة القسمة واستحداث المرافق في الحصة الصائرة إلى الشفيع.
وفي الفتح وقد أخذ بعمومها في كل شيء مالك في رواية وهو قول عطاء، وعن أحمد تثبت في الحيوانات دون غيرها من المنقولات، وروى البيهقي من حديث ابن عباس مرفوعًا: الشفعة في كل شيء، ورجاله ثقات إلا أنه قد أعلّ بالإرسال، وقد أخرج الطحاوي له شاهدًا من حديث جابر بإسناد لا بأس به انتهى.
ومشهور مذهب مالك كما سبق تخصيصها بالعقار، وقال المرداوي الحنبلي في تنقيحه: ولا شفعة في طريق مشترك لا ينفذ ولا فيما تجب قسمته وما ليس بعقار كشجر وحيوان وجوهر وسيف ونحوها انتهى.
وخرج بقوله في الحديث في كل شرك الجار ولو ملاصقًا خلافًا للحنفية حيث أثبتوها للجار الملاصق أيضًا. وفي الجامع: وللجار المقابل في السكة الغير النافذة أو المقابل في السكة النافذة فلا شفعة له اتفاقًا، واستدلّ لهم بقوله عليه الصلاة والسلام: "الجار أحق بشفعة جاره ينتظر بها وإن كان غائبًا إذا كان طريقهما واحدًا" أخرجه أبو داود والترمذى، وقد زعم بعضهم أن قوله فإذا وقعت الحدود إلى آخره مدرج من كلام جابر قال لأن قوله الأول كلام تام والثاني كلام مستقل ولو كان الثاني مرفوعًا لقال وقال: إذا وقعت الحدود انتهى. ولا يخفى ما فيه لأن الأصل أن كل ما ذكر في الحديث فهو منه حتى يثبت الإدراج بدليل والله الموفق.
وحديث الباب قد سبق في باب بيع الشريك من شريكه.
٢ - باب عَرْضِ الشُّفْعَةِ عَلَى صَاحِبِهَا قَبْلَ الْبَيْعِ
وَقَالَ الْحَكَمُ: إِذَا أَذِنَ لَهُ قَبْلَ الْبَيْعِ فَلَا شُفْعَةَ لَهُ.
وَقَالَ الشَّعْبِيُّ: مَنْ بِيعَتْ شُفْعَتُهُ وَهْوَ شَاهِدٌ لَا يُغَيِّرُهَا فَلَا شُفْعَةَ لَهُ.
(باب عرض الشفعة) أي عرض الشريك الشفعة (على صاحبها) الذي هي له (قبل) صدور (البيع).
(قال الحكم) بن عتيبة بضم العين المهملة وفتح الفوقية والموحدة بينهما تحتية ساكنة مصغرًا الكوفي التابعي (إذا أذن) مستحق الشفعة (له) أي للشريك الذي يريد البيع (قبل البيع فلا شفعة له) وهذا وصله ابن أبي شيبة.
(وقال الشعبي) عامر بن شراحيل الكوفي التابعي الكبير فيما وصله ابن أبي شيبة (من بيعت شفعته وهو شاهد لا يغيرها فلا شفعة له) ومذهب الشافعي ومالك وأبي حنيفة وأصحابهم لو أعلم الشريك بالبيع فأذن فيه فباع ثم أراد الشريك أن يأخذ بالشفعة فله ذلك، ومفهوم قوله في حديث مسلم السابق: ولا