من الأنصار) قال البغوي في شرح السُّنّة فيما نقله عنه في شرح المشكاة: ليس المراد منه الانتقال عن النسب الولادي لأنه حرام مع أن نسبه أفضل الأنساب وأكرمها، وإنه أراد النسب البلادي ومعناه لولا الهجرة من الدين ونسبتها دينية لا يسعني تركها لأنها عبادة مأمور بها لانتسبت إلى داركم قيل أراد ﷺ بهذا الكلام إكرام الأنصار والتعريض بأن لا فضيلة أعلى من النصرة بعد الهجرة وبيان أنهم بلغوا من الكرامة مبلغًا لولا أنه-ﷺ من المهاجرين السابقين الذين خرجوا من ديارهم وقطعوا عن أقاربهم وأحبابهم وحرموا أوطانهم وأموالهم. (ولو سلك الناس واديًا وسلكت الأنصار واديًا أو شِعبًا) بكسر الشين طريقًا في الجبل (لسلكت وادي
الأنصار أو شعب الأنصار) قيل: أراد حسن موافقته إياهم وترجيحهم في ذلك على غيرهم لما شاهد منهم من حسن الوفاء بالعهد والجوار وما أراد بذلك وجوب متابعته إياهم فإن متابعته حق على كل مؤمن لأنه ﷺ هو المتبوع المطاع لا التابع المطيع.
٧٢٤٥ - حَدَّثَنَا مُوسَى، حَدَّثَنَا وُهَيْبٌ، عَنْ عَمْرِو بْنِ يَحْيَى، عَنْ عَبَّادِ بْنِ تَمِيمٍ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ زَيْدٍ، عَنِ النَّبِيِّ ﷺ قَالَ: «لَوْلَا الْهِجْرَةُ لَكُنْتُ امْرَأً مِنَ الأَنْصَارِ، وَلَوْ سَلَكَ النَّاسُ وَادِيًا أَوْ شِعْبًا لَسَلَكْتُ وَادِىَ الأَنْصَارِ وَشِعْبَهَا». تَابَعَهُ أَبُو التَّيَّاحِ، عَنْ أَنَسٍ عَنِ النَّبِيِّ ﷺ فِى الشِّعْبِ.
وبه قال: (حدّثنا موسى) بن إسماعيل التبوذكي قال: (حدّثنا وهيب) بضم الواو وفتح الهاء ابن خالد البصري (عن عمرو بن يحيى) بفتح العين المازني الأنصاري (عن عباد بن تميم) بفتح العين والموحدة المشددة ابن زيد (عن) عمه (عبد الله بن زيد) المدني الأنصاري المازني ﵁ (عن النبي ﷺ) أنه (قال):
(لولا الهجرة) التي لا يجوز تبديلها (لكنت امرأً من الأنصار ولو سلك الناس واديًا أو شِعبًا) ولأبي ذر عن الحموي والكشميهني وشِعبًا بحذف الألف وفتح الواو (لسلكت وادي الأنصار وشِعبها).
(تابعه) أي تابع عباد بن تميم (أبو التياح) بفتح الفوقية والتحتية المشددة وبعد الألف حاء مهملة يزيد بن حميد الضبعي بضم الضاد المعجمة وفتح الموحدة بعدها عين مهملة مكسورة البصري (عن أنس) ﵁ (عن النبي ﷺ في الشعب) أي من قوله: ولو سلك الناس واديًا أو شعبًا الخ.
والحديث سبق في المناقب.
﷽
[٩٥ - كتاب أخبار الآحاد]
(بسم الله الرحمن الرحيم).
١ - باب مَا جَاءَ فِى إِجَازَةِ خَبَرِ الْوَاحِدِ الصَّدُوقِ
فِى الأَذَانِ وَالصَّلَاةِ وَالصَّوْمِ وَالْفَرَائِضِ وَالأَحْكَامِ وَقَوْلُ اللَّهِ تَعَالَى:
﴿فَلَوْلَا نَفَرَ مِنْ كُلِّ فِرْقَةٍ مِنْهُمْ طَائِفَةٌ لِيَتَفَقَّهُوا فِى الدِّينِ وَلِيُنْذِرُوا قَوْمَهُمْ إِذَا رَجَعُوا إِلَيْهِمْ لَعَلَّهُمْ يَحْذَرُونَ﴾ [التوبة: ١٢٢] وَيُسَمَّى الرَّجُلُ طَائِفَةً لِقَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿وَإِنْ طَائِفَتَانِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ اقْتَتَلُوا﴾ [الحجرات: ٩] فَلَوِ اقْتَتَلَ رَجُلَانِ دَخَلَ فِى مَعْنَى الآيَةِ وَقَوْلُهُ تَعَالَى: ﴿إِنْ جَاءَكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَإٍ فَتَبَيَّنُوا﴾ [الحجرات: ٦] وَكَيْفَ بَعَثَ النَّبِىُّ ﷺ أُمَرَاءَهُ وَاحِدًا بَعْدَ وَاحِدٍ، فَإِنْ سَهَا أَحَدٌ مِنْهُمْ رُدَّ إِلَى السُّنَّةِ.
(باب ما جاء في إجازة خبر الواحد الصدوق) أي العمل بقوله (في) دخول وقت (الأذان و) الإعلام بجهة القبلة لأجل (الصلاة و) طلوع الفجر أو غروب الشمس في (الصوم والفرائض) من عطف العام على الخاص (والأحكام) جمع حكم وهو خطاب الله تعالى المتعلق بأفعال المكلفين من حيث إنهم مكلفون وهو من عطف العام على عام أخص منه لأن الفرائض فرد من الأحكام، والمراد بالواحد هنا حقيقة الوحدة. وعند الأصوليين ما لم يتواتر والتقييد بالصدق لا بدّ منه فلا يحتج بالكذوب اتفاقًا أمَّا من لم يعرف حاله فثالثها يجوز إن اعتضد. قال في الفتح: وسقطت البسملة لأبي ذر والقابسي والجرجاني، وثبتت هنا قبل الباب في رواية كريمة والأصيلي، ويحتمل أن يكون هذا من جملة أبواب الاعتصام فإنه من جملة متعلقاته فلعل بعض من بيّض الكتاب قدمه عليه ووقع في بعض النسخ كتاب خبر الواحد وليس بعده باب والذي عند الجميع بلفظ باب فيكون من جملة كتاب الأحكام وهو واضح نعم في نسخة الصغاني كتاب أخبار الآحاد ثم قال باب ما جاء الخ.
(وقول الله تعالى) بالجر عطفًا على السابق وسقطت الواو لغير أبي ذر فقول رفع (﴿فلولا﴾) فهلا (﴿نفر من كل فرقة منهم طائفة﴾) أي من كل جماعة كثيرة جماعة قليلة منهم يكفونهم النفير (﴿ليتفقهوا في الدين﴾) ليتكلفوا الفقاهة فيه ويتجشموا المشاق في تحصيلها (﴿ولينذروا قومهم﴾) وليجعلوا مرمى همتهم إلى التفقه إنذار قومهم إرشادهم (﴿إذا رجعوا إليهم﴾) دون الأغراض الخسيسة من التصدر والترؤس والتشبه بالظلمة في المراكب والملابس (﴿لعلهم يحذرون﴾ [التوبة: ١٢٢]) ما يجب اجتنابه واستدلّ به على أن أخبار الآحاد يلزم بها العمل لأن عموم كل فرقة يقتضي أن ينفر من كل ثلاثة تفردوا بقرية طائفة إلى التفقه لتنذر فرقتها كي يتذكروا ويحذروا، فلو لم تعتبر الأخبار ما لم تتواتر لم يفد ذلك وسقط لغير كريمة قوله ليتفقهوا الخ. وقال بعد قوله: ﴿طائفة﴾ الآية.
قال البخاري: (ويسمى الرجل) الواحد (طائفة لقوله تعالى: ﴿وإن طائفتان من المؤمنين اقتتلوا﴾ [الحجرات: ٩] فلو اقتتل رجلان) ولأبي ذر عن الكشميهني الرجلان (دخلا في معنى الآية) لإطلاق الطائفة على الواحد، وبهذا احتج إمامنا الشافعي وقبله ابن مجاهد وعن ابن عباس وغيره أن لفظ الطائفة يتناول الواحد فما فوقه ولا يختص بعدد معين وعن ابن عباس أيضًا من أربعة إلى أربعين وعن عطاء اثنان فصاعدًا.
(وقوله تعالى: ﴿إن جاءكم فاسق بنبأ﴾) بخبر وتنكير الفاسق والنبأ للتعميم كأنه قال أيّ فاسق جاءكم بأي نبأ (﴿فتبينوا﴾ [الحجرات: ٦]) فتوقفوا فيه وتطلبوا بيان الأمر وانكشاف الحقيقة ولا تعتمدوا قول الفاسق، لأن من لا يتحامى جنس الفسوق لا يتحامى الكذب الذي هو نوع منه. وفي الآية دليل على قبول خبر الواحد العدل لأنّا لو توقفنا في خبره لسوّينا بينه وبين الفاسق ولخلا التخصيص به عن الفائدة. وقال ابن كثير: ومن هاهنا امتنع طوائف من العلماء من قبول مجهول الحال لاحتمال فسقه في نفس الأمر وقبله آخرون لأنّا إنما أمرنا بالتثبت عند خبر الفاسق، وهذا ليس بمحقق الفسق لأنه مجهول الحال.
(وكيف بعث النبي ﷺ أمراءه) جمع أمير ولأبي ذر عن الكشميهني أمراء بحذف الضمير إلى الجهات (واحدًا بعد واحد) فلو لم يكن خبر الواحد مقبولاً لما كان في إرساله معنى، وإنما أرسل آخر بعد الأوّل مع كون خبره مقبولاً ليذكره عند السهو