وقع عن الفسخ وهو مذهب الحنابلة، بل قال المرداوي في كتابه الإنصاف في معرفة الراجح من الخلاف وهو شرح المقنع لشيخ الإسلام موفق الدين بن قدامة: إن فسخ القارن والمفرد حجهما إلى العمرة مستحب بشرطه نص عليه وعليه الأصحاب قاطبة. وقال: وهو من مفردات المذهب لكن المصنف أي ابن قدامة هنا ذكر الفسخ بعد الطواف والسعي وقطع به الخرقي، وقدمه الزركشي وقال: هذا ظاهر الأحاديث، وعن ابن عقيل الطواف بنية العمرة هو الفسخ وبه حصل رفض الإحرام لا غير قال: فهذا تحقيق فسخ الحج وما ينفسخ به. وقال في الكافي: يسن لهما إذا لم يكن معهما هدي أن يفسخا نيتهما بالحج وينويا عمرة مفردة ويحلا من إحرامهما بطواف وسعي وتقصير ليصيرا متمتعين. وقال في الانتصار: لو ادّعى مدّع وجوب الفسخ لم يبعد، وقال الشيخ تقي الدين: يجب على من اعتقد عدم مساغه أن يعتقده ولو ساق هديًا فهو على إحرامه لا يصح فسخه الحج إلى العمرة على الصحيح عندهم وحيث صح الفسخ لزم دم على الصحيح من مذهبهم نص عليه وعليه أكثر الأصحاب اهـ.
وقال بعض الحنابلة: نحن نشهد الله أنا لو أحرمنا بحج لرأينا فرضًا فسخه إلى عمرة تفاديًا من غضب رسول الله ﷺ وذلك أن في السنن عن البراء بن عازب خرج رسول الله ﷺ وأصحابه فأحرمنا بالحج فلما قدمنا مكة قال اجعلوها عمرة فقال الناس: يا رسول الله قد أحرمنا بالحج فكيف نجعلها عمرة؟ قال "انظروا ما آمركم به فافعلوا" فردّدوا عليه القول فغضب الحديث.
وقال سلمة بن شبيب لأحمد: كل أمرك عندي حسن إلا خلة واحدة فقال: وما هي؟ قال: تقول بفسخ الحج إلى العمرة. فقال: يا سلمة كنت أرى لك عقلاً. عندي في ذلك أحد عشر حديثًا صحاح عن رسول الله ﷺ أتركها لقولك.
وقال مالك والشافعي وأبو حنيفة وجماهير العلماء من السلف والخلف هو مختص بهم تلك السنة لا يجوز بعدها ليخالفوا ما كانت عليه الجاهلية من تحريم العمرة في أشهر الحج.
وفي حديث أبي ذر عند مسلم: كانت المتعة في الحج لأصحاب محمد ﷺ خاصة يعني فسخ الحج إلى العمرة.
وعند النسائي عن الحرث بن بلال عن أبيه قال: يا رسول الله فسخ الحج لنا خاصة أم للناس عامة؟ فقال: "لا بل لنا خاصة" وهذا لا يعارضه حديث سراقة لأن سبب الأمر بالفسخ ما كان إلا تقرير الشرع العمرة في أشهر الحج ما لم يكن مانع من سوق الهدي، وذلك أنه كان مستعظمًا عندهم حتى كانوا يعدونها في أشهر الحج من أفجر الفجور فكسر سورة ما استحكم في نفوسهم من الجاهلية من إنكاره بحملهم على فعله بأنفسهم، فلو لم يكن حديث بلال بن الحرث ثابتًا كما قال
الإمام أحمد حيث قال: لا يثبت عندي ولا يعرف هذا الرجل كان حديث ابن عباس كانوا يرون العمرة في أشهر الحج من أفجر الفجور في الأرض الحديث صريحًا في كون سبب الأمر بالفسخ هو قصد محو ما استقر في نفوسهم في الجاهلية بتقرير الشرع بخلافه.
وقال ابن المنير: ترجم على أن العمرة من التنعيم ثم ذكر حديث سراقة وليس فيه تعرض لميقات ولكن لأصل العمرة في أشهر الحج. وأجاب بأن وجه ذكره في الترجمة الرد على من لعله يزعم أن التنعيم كان خاصًا باعتمار عائشة حينئذٍ فقرر بحديث سراقة أنه غير خاص وأنه عام أبدًا.
وحديث الباب أخرجه المؤلّف في التمني، وأبو داود في الحج.
٧ - باب الاِعْتِمَارِ بَعْدَ الْحَجِّ بِغَيْرِ هَدْيٍ
(باب الاعتمار بعد الحج) في أشهره (بغير هدي) يلزم المعتمر.
١٧٨٦ - حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْمُثَنَّى حَدَّثَنَا يَحْيَى حَدَّثَنَا هِشَامٌ قَالَ أَخْبَرَنِي أَبِي قَالَ أَخْبَرَتْنِي عَائِشَةُ ﵂ قَالَتْ "خَرَجْنَا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ مُوَافِينَ لِهِلَالِ ذِي الْحَجَّةِ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: مَنْ أَحَبَّ أَنْ يُهِلَّ بِعُمْرَةٍ فَلْيُهِلَّ، وَمَنْ أَحَبَّ أَنْ يُهِلَّ بِحَجَّةِ فَلْيُهِلَّ، وَلَوْلَا أَنِّي أَهْدَيْتُ لأَهْلَلْتُ بِعُمْرَةٍ. فَمِنْهُمْ مَنْ أَهَلَّ بِعُمْرَةٍ، وَمِنْهُمْ مِنْ أَهَلَّ بِحَجَّةٍ، وَكُنْتُ مِمَّنْ أَهَلَّ بِعُمْرَةٍ، فَحِضْتُ قَبْلَ أَنْ أَدْخُلَ مَكَّةَ، فَأَدْرَكَنِي يَوْمُ عَرَفَةَ وَأَنَا حَائِضٌ، فَشَكَوْتُ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ ﷺ فَقَالَ: دَعِي عُمْرَتَكِ، وَانْقُضِي رَأْسَكِ وَامْتَشِطِي، وَأَهِلِّي بِالْحَجِّ، فَفَعَلْتُ. فَلَمَّا كَانَتْ لَيْلَةُ الْحَصْبَةِ أَرْسَلَ مَعِي عَبْدَ الرَّحْمَنِ إِلَى التَّنْعِيمِ، فَأَرْدَفَهَا، فَأَهَلَّتْ بِعُمْرَةٍ مَكَانَ عُمْرَتِهَا، فَقَضَى اللَّهُ حَجَّهَا وَعُمْرَتَهَا، وَلَمْ يَكُنْ فِي شَىْءٍ مِنْ ذَلِكَ هَدْيٌ وَلَا صَدَقَةٌ وَلَا صَوْمٌ".
وبالسند قال: (حدّثنا محمد بن المثنى) الزمن قال: (حدّثنا يحيى) القطان قال: (حدّثنا هشام قال: أخبرني) بالإفراد (أبي) عروة بن الزبير (قال أخبرتني عائشة ﵂ قالت: خرجنا مع رسول الله ﷺ) في حجة الوداع حالة كوننا (موافين لهلال ذي الحجة) أي قرب طلوعه فقد مرّ أنها قالت: خرجنا لخمس بقين من ذي القعدة والخمس قريبة من آخر الشهر فوافاهم الهلال وهم في الطريق (فقال رسول الله ﷺ) وهم بسرف أو بعد الطواف كما مرّ قريبًا:
(من أحب) منكم ممن لم يكن معه هدي