يقول أحمد بن محمد الخطيب القسطلاني غفر الله له آمين:
الحمد لله الذي شرح بمعارف عوارف السنة النبوية صدور أوليائه، وروّح بسماع أحاديثها الطيبة أرواح أهل وداده وأصفيائه، فسرّح سرّ سرائرهم في رياض روضة قدسه وثنائه، أحمده على ما وفق من إرشاده وأسدى من آلائه وأشكره على فضله المتواتر الكامل الوافر، وأسأله المزيد من عطائه وكشف غطائه، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له الفرد المنفرد في صمدانيته بعز كبريائه، واصل من انقطع إليه إلى حضرة قربه وولائه ومدرجه في سلسلة خاصته وأحبائه، وأشهد أن سيدنا محمدًا عبده ورسوله المرسل بصحيح القول وحسنه رحمة لأهل أرضه وسمائه، الماحي للمختلق الموضوع بشوارق بوارق لألائه، فأشرقت مشكاة مصابيح الجامع الصحيح من أنوار شريعته وأنبائه ﷺ وعلى آله وأصحابه وخلفائه آمين.
وبعد فإنّ علم السنة النبوية بعد الكتاب العزيز أعظم العلوم قدرًا وأرقاها شرفًا وفخرًا، إذ عليه مبنى قواعد أحكام الشريعة الإسلامية، وبه تظهر تفاصيل مجملات الآيات القرآنية، وكيف لا ومصدره عمن لا ينطق عن الهوى إن هو إلا وحي يوحى.
فهو المفسر للكتاب وإنما … نطق النبي لنا به عن ربه
وإن كتاب البخاري الجامع قد أظهر من كنوز مطالبها العالية إبريز البلاغة، وأبرز وحاز قصب السبق في ميدان البراعة وأحرز، وأتى من صحيح الحديث وفقهه بما لم يسبق إليه ولا عرّج أحد عليه، فانفرد بكثرة فرائد فوائده وزوائد عوائده، حتى جزم الراوون بعذوبة موارده، فلذا رجح على غيره من الكتب بعد كتاب الله، وتحرّكت بالثناء عليه الألسن والشفاه، ولطالما خطر في الخاطر المخاطر أن أعلق عليه شرحًا أمزجه فيه مزجًا وأدرجه ضمنه درجًا، أميز فيه الأصل من الشرح بالحمرة والمداد واختلاف الروايات بغيرهما، ليدرك الناظر سريعًا المراد، فيكون باديًا بالصفحة مدركًا باللمحة كاشفًا بعد أسراره لطالبيه، رافع النقاب عن وجوه معانيه