وكان يقال الراوي كما قال الكرماني، وأما المقالة فهي من قوله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- كما في أول حديث أبي سعيد عند مسلم بلفظ: أدنى أهل الجنة منزلة رجل صرف الله وجهه عن النار وساق الحديث إلى آخره، واعترضه العيني بأنه لا يلزم من كونها في آخر حديث ابن مسعود أن تكون من كلامه -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-. وأجاب في الانتقاض فقال: إن أراد الاستلزام العقلي فليس مرادًا هنا بل يكفي الظن القوي الناشئ عن الاستدلال لأن هذا الأمر ليس مرجعه العقل والصحابي إذا لم يكن ينظر في كتب أهل الكتاب ولا ينقل عنهم كابن مسعود انحصر أنه نقل عن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-سواء كان ذلك بواسطة أم لا فبطل الاعتراض اهـ. ورواته كلهم كوفيون.
والحديث أخرجه المؤلّف أيضًا في التوحيد ومسلم والترمذي في صفة جهنم وابن ماجة في الزهد.
٦٥٧٢ - حَدَّثَنَا مُسَدَّدٌ، حَدَّثَنَا أَبُو عَوَانَةَ، عَنْ عَبْدِ الْمَلِكِ بْنِ عُمَيْرٍ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الْحَارِثِ بْنِ نَوْفَلٍ، عَنِ الْعَبَّاسِ - رضى الله عنه - أَنَّهُ قَالَ لِلنَّبِىِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: هَلْ نَفَعْتَ أَبَا طَالِبٍ بِشَىْءٍ؟.
وبه قال: (حدّثنا مسدد) هو ابن مسرهد قال: (حدّثنا أبو عوانة) الوضاح بن عبد الله اليشكري (عن عبد الملك بن عمير) بضم العين وفتح الميم الكوفي اللخمي حليف بني عدي ويقال له الفرسي بفتح الفاء والراء ثم سين مهملة نسبة إلى فرس له سابق (عن عبد الله بن الحارث بن نوفل) بفتح النون وسكون الواو بعدها فاء فلام ابن الحارث بن عبد المطلب الهاشمي أبي محمد المدني أمير البصرة يلقب ببة بتشديد الموحدة الثانية له رؤية ولأبيه ولجده صحبة (عن العباس) بن عبد المطلب (-رضي الله عنه- أنه قال للنبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: هل نفعت أبا طالب بشيء) لم يذكر الجواب اختصارًا، وساقه في كتاب الأدب عن موسى بن إسماعيل عن أبي عوانة بهذا السند بلفظ فإنه كان يحوطك ويغضب لك. قال: "نعم هو في ضحضاح من النار لولا أنا لكان في الدرك الأسفل من النار".
وسبق مبحثه والله الموفق وبه المستعان.
٥٢ - باب الصِّرَاطُ جَسْرُ جَهَنَّمَ
هذا (باب) بالتنوين (الصراط جسر جهنم) بضم الجيم وتكسر أي منصوب عليها لعبور المسلمين عليه إلى الجنة.
قال أبو سعيد فيما رواه مسلم: بلغني أن الصراط أحدّ من السيف وأدق من الشعرة. وقال سعيد بن أبي هلال عند ابن منده بلغني فذكره، ووصله البيهقي عن أنس عن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-مجزومًا به لكن في سنده لين وفي مرسل عبيد بن عمير عند ابن المبارك أن الصراط مثل السيف وبجنبتيه كلاليب إنه ليؤخذ بالكلوب الواحد أكثر من ربيعة ومضر، وعند ابن عساكر عن الفضيل بن عياض قال: بلغنا أن الصراط مسيرة خمسة عشر ألف سنة خمسة آلاف صعود وخمسة آلاف هبوط وخمسة آلاف مستوى أدق من الشعرة وأحدّ من السيف على متن جهنم، ولا يجوز عليه إلا ضامر مهزول من خشية الله وهذا معضل لا يثبت، وعند ابن المبارك وابن أبي الدنيا عن سعيد بن أبي هلال: بلغنا أن الصراط أدق من الشعرة على بعض الناس، ولبعض الناس مثل الوادي الواسع وهو مرسل أو معضل فتأمل نفسك إذا صرت على الصراط ووقع بصرك على جهنم من تحته ثم قرع سمعك شهيق النار وزفيرها وسوادها وسعيرها، وكيف بك إذا وضعت إحدى رجليك عليه فأحسست بحدّه واضطررت إلى أن ترفع القدم الثاني والخلائق بين يديك يزلون ويعشرون، والزبانية تلتقطهم بالخطاطيف والكلاليب وأنت تنظر إلى ذلك فيا له من منظر ما أفظعه ومرتقى ما أصعبه ومجاز ما أضيقه. نسأل الله السلامة والإعانة والعافية.
رأى يحيى بن اليمان رجلاً نائمًا وهو أسود الرأس واللحية شاب فاستيقظ وهو أبيض شعر الرأس واللحية فأخبره أنه رأى في منامه كأن الناس قد حشروا وإذا بنهر من نار وجسر يمر عليه الناس فدعي فدخل الجسر فإذا هو كحدّ السيف يمر به يمينًا وشمالاً فشاب من ذلك.
٦٥٧٣ - حَدَّثَنَا أَبُو الْيَمَانِ، أَخْبَرَنَا شُعَيْبٌ، عَنِ الزُّهْرِىِّ، أَخْبَرَنِى سَعِيدٌ وَعَطَاءُ بْنُ يَزِيدَ أَنَّ أَبَا هُرَيْرَةَ أَخْبَرَهُمَا عَنِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وَحَدَّثَنِى مَحْمُودٌ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ، أَخْبَرَنَا مَعْمَرٌ عَنِ الزُّهْرِىِّ، عَنْ عَطَاءِ بْنِ يَزِيدَ اللَّيْثِىِّ، عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ أُنَاسٌ يَا رَسُولَ اللَّهِ هَلْ نَرَى رَبَّنَا يَوْمَ الْقِيَامَةِ؟ فَقَالَ: «هَلْ تُضَارُّونَ فِى الشَّمْسِ لَيْسَ دُونَهَا سَحَابٌ»؟ قَالُوا: لَا يَا رَسُولَ اللَّهِ، قَالَ: «هَلْ تُضَارُّونَ فِى الْقَمَرِ لَيْلَةَ الْبَدْرِ لَيْسَ دُونَهُ سَحَابٌ»؟ قَالُوا: لَا يَا رَسُولَ اللَّهِ قَالَ: «فَإِنَّكُمْ تَرَوْنَهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ كَذَلِكَ، يَجْمَعُ اللَّهُ النَّاسَ فَيَقُولُ: مَنْ كَانَ يَعْبُدُ شَيْئًا فَلْيَتَّبِعْهُ فَيَتْبَعُ مَنْ كَانَ يَعْبُدُ الشَّمْسَ، وَيَتْبَعُ مَنْ كَانَ يَعْبُدُ الْقَمَرَ، وَيَتْبَعُ مَنْ كَانَ يَعْبُدُ الطَّوَاغِيتَ، وَتَبْقَى هَذِهِ الأُمَّةُ فِيهَا مُنَافِقُوهَا، فَيَأْتِيهِمُ اللَّهُ فِى غَيْرِ الصُّورَةِ الَّتِى يَعْرِفُونَ فَيَقُولُ: أَنَا رَبُّكُمْ فَيَقُولُونَ: نَعُوذُ بِاللَّهِ مِنْكَ هَذَا مَكَانُنَا حَتَّى يَأْتِيَنَا رَبُّنَا، فَإِذَا أَتَانَا رَبُّنَا عَرَفْنَاهُ فَيَأْتِيهِمُ اللَّهُ فِى الصُّورَةِ الَّتِى يَعْرِفُونَ فَيَقُولُ: أَنَا رَبُّكُمْ فَيَقُولُونَ: أَنْتَ رَبُّنَا فَيَتْبَعُونَهُ وَيُضْرَبُ جِسْرُ جَهَنَّمَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: «فَأَكُونُ أَوَّلَ مَنْ يُجِيزُ وَدُعَاءُ الرُّسُلِ يَوْمَئِذٍ اللَّهُمَّ سَلِّمْ سَلِّمْ، وَبِهِ كَلَالِيبُ مِثْلُ شَوْكِ السَّعْدَانِ أَمَا رَأَيْتُمْ شَوْكَ السَّعْدَانِ»؟ قَالُوا: بَلَى، يَا رَسُولَ اللَّهِ قَالَ: «فَإِنَّهَا مِثْلُ شَوْكِ السَّعْدَانِ، غَيْرَ أَنَّهَا لَا يَعْلَمُ قَدْرَ عِظَمِهَا إِلَاّ اللَّهُ، فَتَخْطَفُ النَّاسَ بِأَعْمَالِهِمْ مِنْهُمُ الْمُوبَقُ بِعَمَلِهِ، وَمِنْهُمُ الْمُخَرْدَلُ ثُمَّ يَنْجُو حَتَّى إِذَا فَرَغَ اللَّهُ، مِنَ
الْقَضَاءِ بَيْنَ عِبَادِهِ وَأَرَادَ أَنْ يُخْرِجَ مِنَ النَّارِ مَنْ أَرَادَ أَنْ يُخْرِجَ مِمَّنْ كَانَ يَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَاّ اللَّهُ أَمَرَ الْمَلَائِكَةَ أَنْ يُخْرِجُوهُمْ فَيَعْرِفُونَهُمْ بِعَلَامَةِ آثَارِ السُّجُودِ، وَحَرَّمَ اللَّهُ عَلَى النَّارِ أَنْ تَأْكُلَ مِنِ ابْنِ آدَمَ أَثَرَ السُّجُودِ فَيُخْرِجُونَهُمْ قَدِ امْتُحِشُوا فَيُصَبُّ عَلَيْهِمْ مَاءٌ يُقَالُ لَهُ: مَاءُ الْحَيَاةِ فَيَنْبُتُونَ نَبَاتَ الْحِبَّةِ فِى حَمِيلِ السَّيْلِ وَيَبْقَى رَجُلٌ مُقْبِلٌ بِوَجْهِهِ عَلَى النَّارِ فَيَقُولُ: يَا رَبِّ قَدْ قَشَبَنِى رِيحُهَا وَأَحْرَقَنِى ذَكَاؤُهَا فَاصْرِفْ وَجْهِى عَنِ النَّارِ، فَلَا يَزَالُ يَدْعُو اللَّهَ فَيَقُولُ: لَعَلَّكَ إِنْ أَعْطَيْتُكَ أَنْ تَسْأَلَنِى غَيْرَهُ، فَيَقُولُ: لَا وَعِزَّتِكَ لَا أَسْأَلُكَ غَيْرَهُ، فَيَصْرِفُ وَجْهَهُ عَنِ النَّارِ، ثُمَّ يَقُولُ بَعْدَ ذَلِكَ: يَا رَبِّ قَرِّبْنِى إِلَى بَابِ الْجَنَّةِ فَيَقُولُ: أَلَيْسَ قَدْ زَعَمْتَ أَنْ لَا تَسْأَلْنِى غَيْرَهُ وَيْلَكَ ابْنَ آدَمَ مَا أَغْدَرَكَ فَلَا يَزَالُ يَدْعُو فَيَقُولُ: لَعَلِّى إِنْ أَعْطَيْتُكَ ذَلِكَ تَسْأَلَنِى غَيْرَهُ فَيَقُولُ: لَا وَعِزَّتِكَ لَا أَسْأَلُكَ غَيْرَهُ فَيُعْطِى اللَّهَ مِنْ عُهُودٍ وَمَوَاثِيقَ أَنْ لَا يَسْأَلَهُ غَيْرَهُ، فَيُقَرِّبُهُ إِلَى بَابِ الْجَنَّةِ فَإِذَا رَأَى مَا فِيهَا سَكَتَ مَا شَاءَ اللَّهُ أَنْ يَسْكُتَ ثُمَّ يَقُولُ: رَبِّ أَدْخِلْنِى الْجَنَّةَ، ثُمَّ يَقُولُ: أَوَ لَيْسَ قَدْ زَعَمْتَ أَنْ لَا تَسْأَلَنِى غَيْرَهُ، وَيْلَكَ يَا ابْنَ آدَمَ مَا أَغْدَرَكَ، فَيَقُولُ: يَا رَبِّ لَا تَجْعَلْنِى أَشْقَى خَلْقِكَ، فَلَا يَزَالُ يَدْعُو حَتَّى يَضْحَكَ فَإِذَا ضَحِكَ مِنْهُ، أَذِنَ لَهُ بِالدُّخُولِ فِيهَا، فَإِذَا دَخَلَ فِيهَا قِيلَ تَمَنَّ مِنْ كَذَا فَيَتَمَنَّى، ثُمَّ يُقَالُ لَهُ: تَمَنَّ مِنْ كَذَا فَيَتَمَنَّى حَتَّى تَنْقَطِعَ بِهِ الأَمَانِىُّ فَيَقُولُ: لَهُ هَذَا لَكَ وَمِثْلُهُ مَعَهُ» قَالَ أَبُو هُرَيْرَةَ: وَذَلِكَ الرَّجُلُ آخِرُ أَهْلِ الْجَنَّةِ دُخُولاً.
وبه قال: (حدّثنا أبو اليمان) الحكم بن نافع قال: (أخبرنا شعيب) هو ابن أبي حمزة (عن الزهري) محمد بن مسلم أنه قال: (أخبرني) بالإفراد (سعيد) بكسر العين ابن المسيب (وعطاء بن يزيد) الليثي (أن أبا هريرة أخبرهما عن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-). قال البخاري (وحدثني) بالإفراد (محمود) هو ابن غيلان المروزي الحافظ قال: