أبو عبيدة هي التشبيه وقال القاضي أي يضاهي قولهم قول الذين كفروا فحذف المضاف وأقيم المضاف إليه مقامه والمضاهاة المشابهة وهذا أخبار من الله تعالى عن قول اليهود: عزير ابن الله، والنصارى المسيح ابن الله فأكذبهم الله تعالى بقوله: ﴿وذلك قولهم بأفواههم﴾ [التوبة: ٣٠] والتقييد بكونه بأفواههم مع أن القول لا يكون إلا بل بالفم للإشعار بأنه لا دليل عليه فهو كالمهملات لم يقصد بها الدلالة على المعاني، وقول اليهود هذا كان مذهبًا مشهورًا عندهم أو قاله بعض من متقدميهم أو من كان بالمدينة، وإنما ذلك لأنه لم يبق فيهم بعد وقعة بختنصر من يحفظ التوراة فلما أحياه الله بعد مائة عام وأملى عليهم التوراة حفظًا فتعجبوا من ذلك، وقالوا ما هذا إلا لأنه ابن الله والدليل على أن هذا القول كان فيهم أن الآية قرئت عليهم فلم يكذبوا مع تهالكهم على التكذيب.
٤٦٥٤ - حَدَّثَنَا أَبُو الْوَلِيدِ، حَدَّثَنَا شُعْبَةُ عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ، قَالَ: سَمِعْتُ الْبَرَاءَ ﵁ يَقُولُ: آخِرُ آيَةٍ نَزَلَتْ: ﴿يَسْتَفْتُونَكَ قُلِ اللَّهُ يُفْتِيكُمْ فِي الْكَلَالَةِ﴾ وَآخِرُ سُورَةٍ نَزَلَتْ بَرَاءَةٌ.
وبه قال: (حدّثنا أبو الوليد) هشام بن عبد الملك الطيالسي قال: (حدّثنا شعبة) بن الحجاج (عن أبي إسحاق) عمرو بن عبد الله السبيعي أنه (قال: سمعت البراء) بن عازب (﵁ يقول: آخر آية نزلت) عليه ﷺ (﴿يستفتونك قل الله يفتيكم في الكلالة﴾) في آخر سورة النساء (وآخر سورة نزلت) عليه ﵊ (براءة).
فإن قلت: سبق في آخر سورة البقرة من حديث ابن عباس أن آخر آية الربا وعند النسائي من حديث ابن عباس أن سورة النصر آخر سورة نزلت. أجيب: بأن المراد آخرية مخصوصة لأن الأولية والآخرية من الأمور النسبية، وأما السورة فإن آخرية النصر باعتبار نزولها كاملة بخلاف براءة فالمراد أوّلها أو معظمها، وإلاّ ففيها آيات كثيرة نزلت قبل سنة الوفاة النبوية وسيكون لنا عودة إلى الإلمام بشيء من مبحث ذلك بسورة النصر إن شاء الله تعالى بعون الله وقوته.
٢ - باب قَوْلِهِ: ﴿فَسِيحُوا فِي الأَرْضِ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ وَاعْلَمُوا أَنَّكُمْ غَيْرُ مُعْجِزِي اللَّهِ وَأَنَّ اللَّهَ مُخْزِي الْكَافِرِينَ﴾ سِيحُوا: سِيرُوا
(باب قوله) تعالى: (﴿فسيحوا في الأرض أربعة أشهر﴾) أوّلها شوّال وآخرها سلخ المحرم قاله الزهري أو من يوم النحر إلى عشرين من ربيع الآخر.
واستشكل ابن كثير الأوّل بأنهم كيف يحاسبون بمدّة لم يبلغهم حكمها وإنما ظهر لهم أمرها يوم النحر كما يأتي إن شاء الله تعالى. واستشكل غيره القولين بأنه لم يكن ذلك كله الأشهر الحرم
المشار إليها في قوله: فإذا انسلخ الأشهر الحرم. وأجيب: باحتمال أن يكون من قبيل التغليب وهذا أمر من الله لناقضي العهد كما مرّ.
روى سعيد بن منصور والنسائي عن زيد بن يثيع بتحتية مضمومة وقد تبدل همزة بعدها مثلثة مفتوحة فتحتية ساكنة فعين مهملة الهمداني الكوفي المخضرم قال: سألت عليًّا بأي شيء بعثت؟ قال: بأنه لا يدخل الجنة إلا نفس مؤمنة ولا يطوف بالبيت عريان ولا يجتمع مسلم ومشرك في الحج بعد عامهم هذا، ومن كان له عهد فعهده إلى مدته ومن لم يكن له عهد فأربعة أشهر، واستدلّ بهذا الأخير كما قاله ابن حجر وغيره على أن قوله تعالى: ﴿فسيحوا في الأرض أربعة أشهر﴾ مختص بمن لم يكن له عهد مؤقت أو من لم يكن له عهد أصلاً، وأما من له عهد مؤقت فهو إلى مدته وروى الطبري من طريق ابن إسحاق قال: هم صنفان. صنف كان له عهد دون أربعة أشهر فأمهل تمام أربعة أشهر وصنف كانت مدة عهده بغير أجل فقصرت على أربعة أشهر وعن ابن عباس أن الأربعة الأشهر أجل من كان له عهد مؤقت بقدرها أو يزيد عليها وأن من ليس له عهد فانقضاؤه إلى سلخ المحرم لقوله: ﴿فإذا انسلخ الأشهر المحرم فاقتلوا المشركين﴾ [التوبة: ٥] وعن الزهري قال: كان أول أربعة الأشهر عند نزول براءة في شوال، وكان آخرها آخر المحرم وبذلك يجمع بين الأربعة الأشهر وبين قوله: ﴿فإذا انسلخ الأشهر المحرم﴾.
(﴿واعلموا أنكم غير معجزي الله﴾) أي لا تفوتونه وإن أمهلكم (﴿وإن الله مخزي الكافرين﴾) (التوبة: ٢] مذلهم بالقتل والأسر في الدنيا والعذاب في الآخرة.
(سيحوا) قال أبو عبيدة: أي (سيروا) وقال غيره: اتسعوا في السير وابعدوا عن العمارات وسقط باب قوله لغير أبي ذر.
٤٦٥٥ - حَدَّثَنَا سَعِيدُ بْنُ عُفَيْرٍ، قَالَ: حَدَّثَنِي اللَّيْثُ، قَالَ: حَدَّثَنِي عُقَيْلٌ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ: وَأَخْبَرَنِي حُمَيْدُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، أَنَّ أَبَا هُرَيْرَةَ ﵁ قَالَ: بَعَثَنِي أَبُو بَكْرٍ فِي تِلْكَ الْحَجَّةِ فِي مُؤَذِّنِينَ بَعَثَهُمْ يَوْمَ النَّحْرِ يُؤَذِّنُونَ بِمِنًى أَنْ لَا يَحُجَّ بَعْدَ الْعَامِ مُشْرِكٌ وَلَا يَطُوفَ بِالْبَيْتِ عُرْيَانٌ قَالَ: حُمَيْدُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ ثُمَّ أَرْدَفَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ بِعَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ وَأَمَرَهُ أَنْ يُؤَذِّنَ بِبَرَاءَةَ قَالَ أَبُو هُرَيْرَةَ: فَأَذَّنَ مَعَنَا عَلِيٌّ يَوْمَ النَّحْرِ فِي أَهْلِ مِنًى بِبَرَاءَةَ، وَأَنْ لَا يَحُجَّ بَعْدَ الْعَامِ مُشْرِكٌ وَلَا يَطُوفَ بِالْبَيْتِ عُرْيَانٌ.
وبه قال: (حدّثنا) ولأبي ذر حدّثني بالإفراد