التقريب ولا يراد حقيقة المقدار فيه، والثاني أن يحمل على ظاهره فيكون فيه دلالة على أن مدة هذه الأمة قدر خمس النهار تقريبًا.
وقال صاحب الكشف: إن الذي دلت عليه الآثار أن مدة هذه الأمة تزيد على ألف سنة ولا تبلغ الزيادة عليها خمسمائة سنة، وذلك أنه ورد من طرق أن مدة الدنيا سبعة آلاف سنة وأن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، بعث في آخر الألف السادسة، وورد أن الدجال يخرج على رأس مائة وينزل عيسى عليه السلام فيقتله ثم يمكث في الأرض أربعين سنة وأن الناس يمكثون بعد طلوع الشمس من مغربها مائة وعشرين سنة وأن بين النفختين أربعين سنة فهذه المائتا سنة لا بدّ منها والباقي الآن من الألف سنة وسنتان، وإلى الآن لم تطلع الشمس من مغربها ولا خرج الدجال الذي خروجه قبل طلوع الشمس بعدّة سنين، ولا ظهر المهدي الذي ظهوره قبل الدجال بسبع سنين ولا وقعت الأشراط التي قبل ظهور المهدي، ولا بقي يمكن خروج الدجال عن قرب لأنه إنما يخرج عند رأس مائة وقبله مقدمات تكون في سنين كثيرة فأقل ما يكون أنه يجوز خروجه على رأس الألف إن لم يتأخر إلى مائة بعدها، وإن اتفق خروجه على رأس الألف مكثت الدنيا بعده أكثر من نحو مائتي سنة المائتين المشار إليهما والباقي ما بين خروج الدجال وطلوع الشمس من مغربها، ولا ندري كم هو، وإن تأخر الدجال عن رأس الألف إلى مائة أخرى كانت المدة أكثر، ولا يمكن أن تكون المدة ألفًا وخمسمائة أصلاً، واستدلّ بأحاديث ضعيفة على عادته قال: إنه اعتمد عليها في أن مدة الدنيا سبعة آلاف سنة، وأن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بعث في آخر الألف السادسة منها: حديث الضحاك بن زمل الجهني قال: رأيت رؤيا فقصصتها على رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- الحديث وفيه: فإذا أنا بك يا رسول الله على منبر
فيه سبع درجات وأنت في أعلاها درجة فقال رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: أما المنبر الذي رأيت فيه سبع درجات وأنا في أعلاها درجة فالدنيا سبعة آلاف وأنا في آخرها ألفًا رواه البيهقي في دلائله، فقوله وأنا في آخرها ألفًا أي معظم المدة في الألف السابعة ليطابق أن بعثته -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- في أواخر الألف السادسة ولو كان بعث أول الألف السابعة كانت الأشراط الكبرى كالدجال وجدت قبل اليوم بأكثر من مائة سنة لتقوم الساعة عند تمام الألف ولم يوجد شيء من ذلك فدلّ على أن الباقي من الألف السابعة أكثر من ثلاثمائة سنة اهـ.
قلت: قال الحافظ ابن حجر: إن سند هذا الحديث ضعيف جدًّا، وأخرجه ابن السكن في الصحابة وقال: إسناده مجهول وليس ابن زمل بمعروف في الصحابة وابن قتيبة في غريب الحديث، وأورده ابن الجوزي في الموضوعات وقال ابن الأثير: ألفاظه مصنوعة، وقد أخبر معمر في الجامع عن ابن نجيح عن مجاهد قال معمر: وبلغني عن عكرمة في قوله تعالى: {في يوم كان مقداره خمسين ألف سنة}[المعارج: ٤] قال: الدنيا من أولها إلى آخرها يوم كان مقداره خمسين ألف سنة لا يدري كم مضى ولا كم بقي إلا الله تعالى.
[(تنبيه):]
وأما ما اشتهر على الألسنة من أن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- لا يمكث في قبره ألف سنة فباطل لا أصل له كما صرح به الشيخ عبد العزيز الديريني في الدرر الملتقطة في المسائل المختلطة لكنه قال: إنه مما نقل عن علماء أهل الكتاب كعبد الله بن سلام وكعب الأحبار اهـ.
ولا يصح ذلك بل كل ما ورد فيه تحديد إما أن يكون لا أصل له أو لا يثبت. وقال الحافظ عماد الدين بن كثير في البداية بعد أن ذكر حديث: ألا أن مثل آجالكم في آجال الأمم قبلكم كما بين صلاة العصر إلى مغرب الشمس هذا يدل على أن ما بقي بالنسبة إلى ما مضى كالشيء اليسير لكن لا يعلم مقدار ما مضى إلا الله عز وجل ولم يجيء فيه تحديد يصح سنده عن المعصوم حتى يصار إليه ويعلم نسبة ما بقي بالنسبة إليه، ولكنه قليل جدًّا بالنسبة إلى الماضي، وتعيين وقت الساعة لم يأت به حديث صحيح