الساعة كنسبة فضل إحدى الإصبعين على الأخرى. وقال التوربشتي: ويحتمل وجهًا آخر وهو أن يكون المراد منه ارتباط دعوته بالساعة لا تفترق إحداهما عن الأخرى، كما أن السبابة لا تفترق عن الوسطى، وقال الطيبي: قوله كفضل إحداهما بدل من قوله كهاتين وموضح له وهو يؤيد الوجه الأول والرفع على العطف، والمعنى بعثت أنا والساعة بعثًا متفاضلاً مثل فضل إحداهما على الأخرى ومعنى النصب لا يستقيم على هذا انتهى.
وبه قال:(حدثني) بالإفراد ولأبي ذر حدّثنا (يحيى بن يوسف) أبو زكريا الزمي قال: (أخبرنا) ولأبي ذر حدّثنا (أبو بكر) هو ابن عياش بالتحتية المشددة آخره شين معجمة (عن أبي حصين) بفتح الحاء وكسر الصاد المهملتين عثمان بن عاصم (عن أبي صالح) ذكوان الزيات (عن أبي هريرة) -رضي الله عنه- (عن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) أنه (قال):
(بعثت أنا والساعة) بالرفع في اليونينية (كهاتين يعني إصبعين) وعند الطبراني عن هناد بن السري عن أبي بكر بن عياش وأشار بالسبابة والوسطى بدل قوله يعني إصبعين (تابعه) أي تابع أبا بكر (إسرائيل) بن يونس بن أبي إسحاق السبيعي (عن أبي حصين) يعني سندًا ومتنًا وقد وصلها الإسماعيلي. قال الكرماني: قيل هو إشارة إلى قرب المجاورة، وقيل إلى تقارب ما بينهما طولاً وفضل الوسطى على السبابة لأنها أطول منها بشيء يسير، فالوجه الأول بالنظر إلى العرض، والثاني بالنظر إلى الطول، وقيل أي ليس بينه وبين الساعة نبي غيره مع التقريب لحينها اهـ.
والذي يتجه القول بأنه إشارة إلى قرب ما بينهما ولو كان المراد قرب المجاورة لقامت الساعة لاتصال إحدى الإصبعين بالأخرى. قال السفاقسي: قيل قوله كما بين السبابة والوسطى أي في الطول وقال في المفهم على رواية نصب والساعة يكون التشبيه وقع بالانضمام وعلى الرفع بالتفاوت، وفي تذكرة القرطبي المعنى تقريب أمر الساعة قال: ولا منافاة بينه وبين قوله في الحديث الآخر "ما المسؤول عنها بأعلم من السائل" فإن المراد بحديث الباب أنه ليس بينه وبينها نبي كما ليس بين السبابة والوسطى إصبع أخرى ولا يلزم منه علم وقتها بعينه. نعم سياقه يفيد قربها وأن أشراطها متتابعة. وقال الضحاك: أول أشراطها بعثة محمد -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، وقد قيل إن نسبة ما بين الأصبعين كنسبة ما بقي من الدنيا إلى ما مضى وأن جملتها سبعة آلاف سنة كما قال ابن جرير في مقدمة تاريخه عن ابن عباس من طريق يحيى بن يعقوب عن حماد بن أبي سليمان عن سعيد بن
جبير عنه: الدنيا جمعة من جمع الآخرة سبعة آلاف سنة بالموحدة بعدها عين مهملة وقد مضى ستة آلاف ومائة سنة ويحيى هو القاضي الأنصاري. قال البخاري: منكر الحديث وشيخه هو فقيه الكوفة وفيه مقال، وفي حديث أبي داود: والله لا يعجز هذه الأمة من نصف يوم ورواته ثقات لكن رجح البخاري وقفه، وعند أبي داود أيضًا مرفوعًا لأرجو أن لا يعجز أمتي عند ربها أن يؤخرهم نصف يوم، وفسره بخمسمائة سنة، فيؤخذ من ذلك أن الذي بقي نصف سبع وهو قريب ما بين السبابة والوسطى في الطول، لكن الحديث وإن كان رواته موثقين إلا أن فيه انقطاعًا وقد ظهر عدم صحة ذلك على ما لا يخفى لوقوع خلافه ومجاوزة هذا المقدار ولو كان ذلك ثابتًا لم يقع خلافه. وقال ابن العربي: قيل الوسطى تزيد على السبابة نصف سبعها وكذلك الباقي من الدنيا من البعثة إلى قيام الساعة وهذا بعيد ولا يعلم مقدار الدنيا فكيف يتحصل لنا سبع أمد مجهول. وفي الصحيحين من حديث ابن عمر مرفوعًا: أجلكم في أجل من كان قبلكم من صلاة العصر إلى مغرب الشمس، وعند أحمد بسند حسن من طريق مجاهد عن ابن عمر كنا عند النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- والشمس على قعيقان مرتفعة بعد العصر فقال:"ما أعماركم في أعمار من مضى إلا كما بقي من هذا النهار فيما مضى منه".
قال في الفتح: وحديث ابن عمر صحيح متفق عليه فالصواب الاعتماد عليه وله محملان. أحدهما: أن المراد بالتشبيه